رئيس مجلس الإدارة   
            د/ نبيلة سامى                   

                                               

          صحافة من أجل الوطن 

              (  مجلة مصر )

                             ( أحدث إصدارتنا)

الجمعة 3 يناير 2025 9:25 ص توقيت القاهرة

ضحى بدنياه من أجل دينه

 
بقلم / محمـــد الدكـــروري

الحمد لله أنشأ الكون من عدم وعلى العرش استوى، أرسل الرسل وأنزل الكتب تبيانا لطريق النجاة والهدى، أحمده جل شأنه وأشكره على نعم لا حصر لها ولا منتهى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له يرتجى، ولا ند له يبتغى، وأشهد أن نبينا وحبيبنا محمدا عبد الله ورسوله الحبيب المصطفى والنبي المجتبى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن سار على النهج واقتفى، ثم اما بعد، إن من الأدلة على سهولة العقيدة وعمومها هو أن الأعاجم لا يجدون فيها صعوبة ولا مشقة، ومنها حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم بجارية سوداء أعجمية، فقال يا رسول الله إن علي عتق رقبة مؤمنة، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم "أين الله؟ " فأشارت إلى السماء بإصبعها السبابة، فقال لها " من أنا؟ " 

فأشارت بإصبعها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى السماء، أي أنت رسول الله، فقال "أعتقها" ومن النماذج الرائعة التي تجسدت فيهم حقيقة الصبر، وأبرز الأمثلة وأشدها وضوحا هو صبر نبي الله يوسف عليه السلام على مراودة امرأة العزيز، فلقد كان الصبر ظهير نبي الله يوسف عليه السلام في محنته التي إبتلي بها إضطرارا وإختيارا وكشف عن هذا حين عثر إخوته عليه فقال تعالي " أنا يوسف وهذا أخي قد من الله علينا إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين" ولقد رفض كل العروض والإغراءات وخرج من الفتنة بإيمانه وصبره، وكان صبره هذا أرقى من صبر أبيه يعقوب على الفراق وأرقى من صبر أيوب على ما بلي به لأن صبرهما كان اضطراريا لا حيلة لهما في رفعه ولا دفعه بينما كان صبر يوسف إختيارا.

وحين تملك فلم يتكبر ولم يطغ صبرا إختياريا ويقول ابن القيم نقلا عن شيخه ابن تيميه رحمهما الله " كان صبر يوسف عن مطاوعة امرأة العزيز على شأنها أكمل من صبره على إلقاء إخوته له في الجب وبيعه وتفريقهم بينه وبين أبيه، فإن هذه أمور جرت عليه بغير إختياره لا كسب له فيها، ليس للعبد فيها حيلة غير الصبر، وأما صبره عن المعصية فصبر إختيار ورضا، ومحاربة للنفس، ولاسيما مع الأسباب التي تقوى معها دواعي الموافقة فإنه كان شابا، وداعية الشباب إليها قوية، وكما كان عزبا ليس معه ما يعوضه ويرد شهوته، وكما كان غريبا والغريب لا يستحي في بلد غربته مما يستحي فيه بين أصحابه ومعارفه وأهله، وكما كان مملوكا والمملوك أيضا ليس وازعه كوازع الحر، وكانت المرأة جميلة وذات منصب، وهي سيدته، 

وقد غاب الرقيب، وهي الداعية إلى نفسها والحريصة على ذلك أشد الحرص، وكما أنها توعدته إن لم يفعل بالسجن والصغار، ومع هذه الدواعي كلها صبر اختياريا وإيثارا لما عند الله عز وجل، وأين هذا من صبره في الجب على ما ليس من كسبه" فلقد ضحى بدنياه من أجل دينه، وبحريته من أجل عقيدته، وقال قولته المشهورة " رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه، وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين" ولما أفرج عنه من السجن الطويل وإستدعي لمقابلة الملك، لم يستفزه هذا الخبر بل طلب التحقيق في القضية حتى تظهر براءته على الملأ وحدث ذلك فعلا وعند ذلك إزداد إعجاب الملك به فقال "ائتوني به استخلصه لنفسي" وكان في المرة الأولى قال "ائتوني به" فقط "فلما كلمه قال إنك اليوم لدينا مكين أمين"

تصنيف المقال : 

إضافة تعليق جديد

CAPTCHA
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.