بقلم د. علاء حمودة
عضو الشبكة العربية لكتاب الرأي والإعلام
يبدو أننا لم نعد نفهم الواقع جيداً، ولم نعد نجيد قراءة المستقبل لأننا ابتعدنا كثيرا عن ضرورات المرحلة، ولم يعد الفلسطيني يكترث لقراءة شيئا عن ملف المصالحة، لأنه بات يتشكل لديه قناعة بان طريق المصالحة مسدود، وعناوين الفشل هي المحصلة لكل لقاءات تحدث هنا أو هناك، فقد أصبح المواطن في حالة من التيه وحالة من الحيرة أدت به إلى ما يعرف بالعامية بانقلاب الرأس أو الدوخان، ولكن لماذا وصلت به الأمور إلى ذلك؟ وهل يقع اللوم على النخبة أم على قياداتنا؟ أم على فصائلنا؟ أم عليه هو نفسه أم على من ؟!! إذا هي الأزمة.
تفاجأ الشارع وبعض النخب والفصائل بأن وفدا من حركة حماس ذاهب إلى جمهورية مصر عبر بوابة معبر رفح ، يبدوا أن من تفاجأ في ذلك اليوم لم يعد يدرك كما لم تدرك يوما حركة حماس أن هناك في فعل الجغرافيا السياسية لاعبا رئيسيا يحرم علينا في أبجديات السياسة الاقتراب من مربعه ، ولا يجوز بأي شكل من الأشكال أن نبدي أي رأي أو ندخل في محور عربي أو إقليمي مع أو ضد هذا الجار، حتى لو كان هذا الجار يقوم بسياسات لا تتطابق مع البرنامج السياسي له، كما لا يجوز أن ندخل بتحالف إقليمي أو عربي ضد أي بلد أو جهة لا يكون الإحلال الإسرائيلي مستهدف فيه .
بوابة رفح الذي خرج منها الوفد القيادي لحركة حماس هي ذاتها بوابة الحل لأي أزمة فلسطينية تعصف بحالنا حتى لو أستمر ذلك زمن، فعلينا تقدير الأمور جيدا وأن لا ندخل بأي حسابات خارج جغرافيا الفعل الفلسطيني وفي ذلك تجارب عدة دفعنا ثمنها خلال مسيرة العمل السياسي الفلسطيني.
منذ وصول وفد حركة حماس الأراضي المصرية ، شهدنا عدة تغيرات على ارض الواقع وبدأنا نسمع لغة جديدة من قبل الحركة ساعدت على تغير المزاج العام في الشارع المصري الذي يتأثر بشكل كبير بما تقوله وسائل الإعلام المرئي والمسموع ،وساهمت على ما يبدو في تعزيز العلاقة مع النظام الرسمي المصري على أساس أن حركة حماس هي حركة تحرر وطني برنامجها فلسطيني وبوصلته القدس ، هذه الإشارات ايجابية ولو كانت متأخرة نُصحت بذلك حماس مرارا ولكن يأتي الشيء متأخرا أفضل من أن لا يأتي آبدا ، مع أن ذلك كلفنا الشيء الكثير، علينا أن لا نغامر بحسابات أخرى ونعيد قراءة الواقع ونتراجع وإلا سيحكم علينا العامة بأننا لا نعي أبجديات السياسة .
بعد سنوات طويلة من الانقسام نقوم بجولات عربية ونبحث عن جولات إقليمية لتوضيح مواقفنا أيضا .......جميل ذلك ، ولكن الأفضل أن نذهب إلى البيت الفلسطيني الذي لا يشبه أحد فهي ديمقراطية تختلف عن ديمقراطيات العالم، وهو نظام سياسي يختلف عن أنظمة العالم، فصائل تعمل على الساحة الفلسطينية تختلف بعملها عن أي فصائل سمعنا عنها في تاريخ حركات التحرر الوطني ، وحكومة تختلف عن حكومات العالم في البناء والوظيفة، فهذا هو البيت الفلسطيني علينا أن ننظر له بمنظور مختلف ، وان لا يتمسك فصيل ما "حركة حماس" بأنها حققت أغلبية في البرلمان بمبدأ أنها تريد أن تدير الأمور كلها ، ولكن عليها أن تذهب بحلول أخرى تنطلق فيها من منطلقات وطنية وتتسلح بأغلبيتها في البرلمان وشعبيتها التي أدلت بأصواتها لها بالانتخابات وأغلقت الشوارع والميادين ، لتدخل من خلال ذلك في شراكة وطنية على قاعدة win –win وليس العكس ، هكذا فقدنا البوصلة هكذا أدرنا المعركة بشكل خاطئ ،وأغلقنا الطريق أمام أي حلول توصلنا إلى الخلاص الوطني وليس التمترس على طريقة ان الكل خسران ، فلا يجوز وبأي حال من الأحوال أن نحقق مكاسب في البيت الفلسطيني بضربة واحدة فلكم في تجربة الغنوشي مثالا رائعا للعمل السياسي على قاعدة الوطن أولا ، وعلينا أن نقتنع أن هناك ظروفا دائما هي بعكس مصلحة التوافق الفلسطيني .
تخيلوا معي لو كان الوفد الفلسطيني موحدا في القاهرة والدوحة والرياض واسطنبول ويذهب ليناقش كيفية الضغط على دول العالم وكسب التأييد لإنجاح مؤتمر دولي للسلام يعيد لنا الحقوق , تخيلوا لو كان هناك وفدا فلسطينيا موحدا يذهب لبروكسل ونيويورك وباريس وبرلين ،يتحدث مع العالم بلغة واحدة ....... هكذا فقدنا الدرب وبعدنا عن مسار العمل الوطني وذهبنا لمسارات أخرى الجميع بها مخطئ.
لقاء ثاني في أقل من شهرين يفتح مجددا جرحا لازال ينزف ، لقاءات تعقد وتنتهي ويذهب كل طرف للتشاور ، ولكن في كل لقاء نبتعد عن المسارات الصحيحة للحوار، يذهب وفدي حماس وفتح دون إبلاغ الفصائل الأخرى ،بدلا من أن تقول تلك الفصائل _نحن لم نبلغ ولكن إذا اتفقوا فنحن معهم _ عليهم تصويب المسار والضغط بشكل قوي على التأكيد على ضرورة الحوار الشامل والحوار وان لا يتوقف هذا الحوار بدون الإعلان عن انتهاء الانقسام ، هذا هو حوار الكل الفلسطيني تحت مظلة الإطار القيادي لمنظمة التحرير، هذا ما يضعف المشهد الفلسطيني العام ، وهو ما يفقد المشهد السياسي تكامله ،فنحن بعد التجربة أمام واقع لابد أن يتغير بل ينبغي وجود تيار ثالث قوي متسلحا برؤية برنامجية تلتف حوله كافة مكونات شعبنا ، أعتقد ان شعارات الموجة الانتفاضية ولجان حق العودة والمجموعات الشبابية وحركة المقاطعةBDS،بدأت تلمح بإشارات لهذا الواقع انه من الضروري البدء في التغير فلم يعد الواقع يحتمل ، هناك أزمة قيادة أفرزت أزمة ثقة لدى المجتمع من كل ما هو موجود ، فما يحدث هو تحدٍ غير مسبوق يحمل في طياته دلالات المستقبل الذي نحن بأمس الحاجة له أكثر من أي وقت.
فبدلا من تجزئة الحوار على الحكومة والموظفين فلنذهب إلى حوار شامل يبحث في كافة الملفات كرزمة شاملة ، نناقش فيه المشروع الوطني نجدد من خلاله إعادة الاعتبار لوحدة القضية والأرض والشعب ، ونطرح صياغة عقد اجتماعي هو بمثابة ميثاق وطني على أساس انجاز مصالحة تاريخية بين كافة التيارات ، ينهي حالة التشرذم في ظل حالة عربية وإقليمية تتفشى فيها الصراعات الطائفية والمذهبية والعرقية وننأى بأنفسنا عن التجاذبات الحاصلة هنا وهناك، فلم يعد الحال كما كان سابقا ،قمة عربية لم يعد بالاستطاعة التوافق على مكان عقدها ، دول عربية بدون رؤساء ، عواصم عربية لم تعد تصلح للحياة بعد أن كانت درعا واقيا وجزءا من منظومة الأمن القومي العربي .
إذا نحن بحاجة إلى التعمق في الحوار أكثر في بيتنا الفلسطيني ورمز كيانيتنا ومصدر هويتنا هو ظلنا الذي نستظل فيه ، فإعادة بناء منظمة التحرير ومؤسسات المنظمة والمجلس الوطني هو المدخل الحقيقي والضروري لتجاوز المأزق الوطني الشامل ، لنخوض بآلية عمل لبناء مؤسسات المنظمة بحيث تضم مختلف ألوان الطيف السياسي ، وكافة أبناء شعبنا لتصبح فعلا وقولا هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني أينما وجد ، والدخول بعمق النظام السياسي الفلسطيني من خلال التوافق على برنامج سياسي كفاحي يقودنا لمرحلة التحرر من خلال استخدام كافة أشكال المقاومة بما فيها المسلحة كحق وواجب ، وليس كأسلوب وحيد يمتلكه فصيل واحد ، فقرار السلم والحرب ليس بيد فصيل معين ، بل هو قرار جماعي تشترك فيه كافة أطياف شعبنا ضمن برنامج سياسي يحدد سقف التعامل وطريقة الأداء ، بحيث تكون مقاومة دفاعية وليست مقاومة تجلب لنا حروب تعيدنا إلى الوراء ، فلا مفاوضات برعاية أمريكية بل في إطار دولي مع التحرك بشكل جماعي مع أصدقاء العالم لتكون برعاية الأمم المتحدة وعلى أساس القانون الدولي الذي لم نستثمره في العديد من محطاتنا النضالية واتفاقيات السلام وهذا باعتراف من صنعوا سلام أوسلو الغير متوازن .
علينا الخوض بتفاصيل السلطة من حيث الشكل ، والدور، والوظيفة فما هو قائم لا علاقة له بمعايير النظم السياسية التي تبنى على ركيزتين أساسيتين الدور والوظيفة ، وبالتوازي مع ذلك علينا تحديد العلاقة مع منظمة التحرير الفلسطينية والعمل على الفصل بين السلطة والمنظمة ليكون الشكل والدور والوظيفة للسلطة هو : "خدماتي" لتسيير خدمات المواطن الفلسطيني وأمور المجتمع ، فلا يعقل سلطة تحت الاحتلال تحمل برنامج سياسي على نقيض الإجماع الوطني إذا هي سلطة تسيير متطلبات الحياة تنسجم مع برامج الفعل الوطني ، ومن هنا علينا إعادة تعريف العلاقة مع إسرائيل باعتبارها علاقة سلطة احتلال وعدو وليس شريكا في عملية سلام ، وهذا يجعلنا أمام مطلب وطني يأتي حسب الحاجة الفلسطينية بخطوات مدروسة سلفا ، وهو التحرر من قيود أوسلو وملحقاتها بما فيها الأمنية، وبما يضمن بقاء الخدمات للمواطنين وترك الملفات السياسية الأخرى بيد المنظمة .
هذا ما يجب الخوض فيه كرزمة واحدة شاملة للحل وإنهاء ملفات الانقسام فالمصالحة الحقيقية هي الدخول في التفاصيل ، ليس انتقاء بعض القضايا التي تحسن ظروف هذا الفصيل أو ذاك فالوطن للجميع فما بدأ الانقسام به أخشى أن يتكرر والخشية هنا واردة ذلك لإن الحوار يقتصر في الدوحة على ملفي الحكومة _الموظفين والانتخابات ،" وهذا يعيد للأذهان ما هو أقرب من قضايا أتفق عليها في مكة 2006أنتجت صراعا دمويا عزز الانقسام وذهب بنا إلى ما نحن عليه الأن ، ولكن في هذه المرة لا يجوز وبأي حال من الأحوال العودة إلى مربعات الاقتتال"
فإذا بقي الحوار يسبح في هذا الفلك سنكون قد عدنا إلى تجربة قمنا بتجربتها سابقا وبهذه الحالة سينطبق علينا المثل العربي الذي يقول (إلي بيجرب المجرب عقله مخرب ) .
الذهاب الى عواصم العالم كله لا يمكن أن يجدي نفعا، فمسارات العمل الوطني واضحة وطريقها واضح ومسارات التيه ودروبه قد سرنا بها وعلينا الحذر من تكرارها، فلن تفضي حوارات كحوارات الدوحة، إلى مصالحة حقيقية، وما يحدث لا يكون له سوى تفسير واحد للأسف هو الترقب لإنهاء الأخر على اعتبار أن كل من طرفي الانقسام يعتبر انه في ظل عوامل محددة وأن نهاية الأخر قد اقتربت وبالتالي ما يحدث حتى لو أنتج شيئا ما سيبقى في دائرة إدارة الانقسام وليس إنهاءه فبالمحصلة فشل لقاءات الدوخة.
إضافة تعليق جديد