في عام العزة والكرامة الذي انتصرت فيه مصر على اسرائيل في حرب أكتوبر ، أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارها بإعتماد اللغة العربية لغة رسمية ، وكان ذلك في 18 ديسمبر 1973 وهو يوم الاحتفال العالمي للغة العربية .
فاللغة العربية تكمن أهميتها في أنها أكثر اللغات انتشاراً في العالم ومتحدثوها في الوطن العربي ، بالإضافة إلى العديد من المناطق الأخرى المجاورة ، كلنا يعلم أهميتها فهي لغة القرآن ولا تقم الصلاة في الإسلام إلا بإتقان بعض من كلماتها ، والعربية أيضاً لغة شعائرية لدى عدد من الكنائس المسيحية في الوطن العربي .
وعلى مدار السنوات الماضية تفشت ظاهرة خطيرة مدمرة للغة العربية في الشارع المصري ، بدأت على استحياء ثم شاعت واستفحل أمرها ، ألا وهى " ظاهرة التغريب " ، وأقصد به الاتجاه إلى الأجنبي من الكلمات والتراكيب الغريبة عن لغتنا العربية ، واستخدامه بديلاً عن نظيره العربي أي نقل الأجنبي من لغته كما ينطق وكتابته بحروف عربية ، على سبيل المثال ( السلام شوبنج سنتر – وطنية تورز – النيل جاردن – هابي سكول – بيبي كير ) ، وهذه الظاهرة تضفي مسحة أجنبية على الشارع المصري ليست من معالمه الأساسية تشوه لغتنا الأم مما يسىء إلى الشخصية المصرية الأصيلة ، وهى أمور خطيرة حظرت منها تقارير إستراتيجية القائمين على الحكم قبل ثورة يناير وبعدها .
وكي لا يختلط الأمر، فالتغريب الذي نحن بصدده غير التعريب ، فالثاني قديم في اللغة مروراً بالعصر الجاهلي ، وعصر الدولة العباسية ، والعصر الحديث ، فكلاهما إقتراض من اللغات الأجنبية لكن التعريب يأخذ ما تفتقر إليه اللغة من الكلمات الأجنبية ويطوعها ويقربها للذوق اللغوي العربي فيضيف إليه .
والعجب العجاب هو أن كثيراً من المصريين مصابون في هذا الشأن بالذات بشىء من السيكوباتية ، فعلى مستوى الشعارات يظهرون انتمائهم للعروبة وفخرهم واعتزازهم للغة العربية ، وعلى مستوى الممارسة يفعلون عكس ذلك تماماً ، حيث تجدهم يتباهون بخلط العربية بالأجنبية في لغتهم اليومية ، معظم المصريين يتباهون بكتابة أسمائهم باللغة الإنجليزية على صفحاتهم بمواقع فيس بوك وتويتر وانستجرام وغيرها ، وذلك بسبب النظرة الفوقية لكل ما هو أجنبي والتي صارت معروفة لدى جماهير الشعب بمصطلح " عقدة الخواجة " .
والغريب في هذا الأمر هو أن كبار السياسيين والإقتصاديين والفنانيين الذين يتشدقون بالوطنية ليل نهار تجدهم يدخنون السجائر الأجنبية ويرتدون الملابس الأجنبية المستوردة ، ويحرصون على إدخال أبنائهم مدارس أجنبية وعلى ذات المنوال صار كل من هب ودب في مصر يفتح " محل " يكتب إسمه بالإنجليزية برغم أن هناك قانون يجرم ذلك ، صدر في خمسينيات القرن الماضي .
ما قلناه يمثل ظاهرة خطيرة للغاية لكونها تؤثر بالسلب الشديد على قيمة الولاء والإنتماء للوطن ، خاصة وأن تعدد الثقافات الناجم عن روافد تعليم متباينة ومختلفة يؤدي إلى تعدد في الهويات بشكل يضرب النسيج الإجتماعي للدولة في مقتل ، وهذه رسالة لمن يهمه الأمر .
إضافة تعليق جديد