بقلم / محمــــد الدكـــــرورى
إن من فضل الله عز وجل على عباده ، أن جعل في موسم شهر رمضان فيه مواسم ، ففضل العشر الأخيرة على سائر ليالي الشهر الكريم، وجعل ليلة القدر أفضل ليلة في الشهر الكريم، وكان النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ، يخص العشر الأواخر من رمضان بأعمال لا يعملها في بقية الشهور ، فكان صلى الله عليه وسلم ، إذا دخلت العشر أحيا ليله، وأيقظ أهله، وشد المئزر، وجد واجتهد في طاعة الله تعالى .
ويتحرى فيها ليلة مباركة ، هي تاج الليالي، وبركاتها عديدة ، وساعاتها معدودة ، وان من أعظم أسباب البركة و الفضل، واسرار المثوبة والاجر لهذه الليالي العشر، أن فيها ليلة القدر تلك الليلة المباركة الشريفة القدر، التي أنزل فيها القرءان هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان، والتي هي خير من ألف شهر في العبادة والذكر والدعاء والقيام.
وإن مما خص الله عز وجل من الأوقات بمزيد تفضيله، ووافر تكريمه شهر رمضان المبارك ، حيث فضله سبحانه وتعالى على سائر الشهور، والعشر الأواخر من لياليه ، حيث فضلها على سائر الليالي، وليلة القدر ، وحيث جعلها لمزيد فضلها عنده وعظيم مكانتها لديه خيرا من ألف شهر، وفخم أمرها وأعلى شأنها.
ورفع مكانتها عندما أنزل فيها وحيه المبين وكلامه الكريم، وتنزيله الحكيم هدى للمتقين، وفرقانا للمؤمنين، وضياء ونورا ورحمة ، وهي سلام للمؤمنين من كل سوء، وحصن لهم من كل شر ،من غروب شمسها الى طلوع فجرها . تلك الليلة عباد الله مطلب المؤمنين ورجاء الصالحين وأمنية المتقين .
فيها يتنزل الروح الامين جبريل عليه السلام والملائكة الكرام يشهدون مواطن الذكر والقيام والدعاء ،فتعم الانوار وتحل البركات وتكثر الخيرات وتجاب الدعوات ، فما أعظمها من ليلة، وما أجلها وما أكرمها، وما أوفر بركتها، ليلة واحدة خير من ألف شهر، وألف شهر أى تزيد على ثلاثة وثمانين عاما، فهي عمر طويل لو قضاه المسلم كله في طاعة الله عز وجل
فليلة القدر وهي ليلة واحدة خير منه، وهذا فضل عظيم وإنعام كريم ، وفي هذه الليلة الكريمة المباركة يكثر تنزل الملائكة ، لكثرة بركتها وعِظم خيرها، فالملائكة يتنزَّلون مع تنزل البركة والخير والرحمة، كما يتنزلون عند تلاوة القرآن.
وفي حِلَق الذكر، وهي سلام حتى مطلع الفجر ، ولأجل هذا الفضل العميم والخير العظيم فقد خص الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم هذه العشر بمزيد من الاجتهاد في العبادة وكان له هدي وسنة في احيائها.
فعن السيده عائشة رضي الله عنها قالت: قلت: يا رسول الله، أرأيت إن علمت أي ليلة ليلة القدر، ما أقول فيها، قال: " قولي: اللهم إنك عفو تحب العفو، فاعفُ عنِّي "، فإن هذا الدعاء عظيم المعنى عميق الدلالة، وهو مناسب لهذه الليلة غاية المناسبة .
فهي الليلة التي يفرق فيها كل أمر حكيم، ويقدر فيها أعمال العباد لسنة كاملة حتى ليلة القدر الأخرى، فمن أعطي في تلك الليلة العافية، وعفا عنه ربُّه، فقد أفلح غاية الفلاح، ومن أعطي العافية في الدنيا وأعطيها في الآخرة فقد أفلح، والعافية لا يعدلها شيء .
وعن العباس بن عبدالمطلب رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله، علمني شيئا أسأله الله عز وجل قال: " سل الله العافية "، فمكثت أياما، ثم جئت، فقلت: يا رسول الله، علمني شيئا أسأله الله، فقال لي: " يا عباس، يا عم رسول الله، سل الله العافية في الدنيا والآخرة " رواه الترمذى .
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يخص هذه العشر بالاجتهاد في العمل أكثر من غيرها ، فعن السيده عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجتهد في العشر الأواخر من رمضان ما لا يجتهد في غيرها .
وهذا شامل بالاجتهاد فيها بكل طاعة وكل عبادة تقرب إلى الله عز وجل، بقراءة القرآن الكريم، والإكثار من ذكر الله تعالى والصلاة والاعتكاف والصدقة، وبذل الخير وصلة الأرحام، والإحسان إلى عباد الله.
وغير ذلك من الأعمال الصالحات، والطاعات المقربة إلى الله عز وجل، وقد كان النبى الكريم صلى الله عليه وسلم، يتفرغ في هذه العشر لتلك الأعمال، فينبغي علينا الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم في ذلك، ومن الحِرمان الواضح والخسران المبين، أن تأتي هذه الليالي المباركة، وتنتهي وكثير من الناس في غفلة معرضون .
ولا يهتمون لها ولا يستفيدون منها، ويسهرون الليل كله أو معظمه في مالا فائدة فيه أو فيه فائدة محدودة يمكن حصولها في وقت آخر، ويعطلون هذه الليالي عمّا خصصت له، وبعضهم ربما شغل هذه الليالي الشريفة الفاضلة المباركة بارتكاب الخطايا والآثام، والوقوع في المعاصي والذنوب.
وكان من هديه صلى الله عليه وسلم احياء تلك العشر بقيام الليل اتماما لقيام رمضان الذي بشّر فاعله بالمغفرة والرضوان فقال صلى الله عليه وسلم " من قام رمضان ايمانا واحتسابا غفر له ماتقدم من ذنبه" فقيام الليل شرف المؤمن ،ورفعة في منزلته عند الله تعالى، الذي امتدح القائمين بقوله عز وجل (تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم ينفقون فلا تعلم نفس ماأخفي لهم من قرة أعين جزاءا بما كانوا يعملون ) سورة السجده .
وكان من هديه صلى الله عليه وسلم الاقبال على كتاب الله تلاوة وتدبرا فكان يتدارس هو وجبريل القرءان سويا حتى يختمه وفي العام الذي قبض فيه صلى الله عليه وسلم ختمه مرتين ، وكان من هديه صلى الله عليه وسلم في العشر ان يعتكف في المسجد طوال العشر مجتهدا في عبادة ربه متحريا ليلة القدر ،والاعتكاف هو لزوم المسجد بنية التقرب الى الله تعالى .
وهكذا كان حال النبى الكريم صلى الله عليه وسلم في الاجتهاد في الطاعات والقربات في تلك العشر المباركات ، فعل هذا وقد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، فتقول له السيده عائشة رضي الله عنها وقد رأت قدماه تفطرت من طول القيام: " تفعل هذا وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فقال صلى الله عليه وسلم: أفلا أكون عبدا شكورا"
إضافة تعليق جديد