بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله الذي خلق الإنسان في أحسن تقويم، والصلاة والسلام على محمد بن عبدالله المتمم لمكارم الأخلاق، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم لا ينفع مال ولا بنون، إلا من أتى الله بقلب سليم، ثم أما بعد لقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من الغلو في مدحه غاية التحذير، وحرص على منع كل ذريعة تفضي إلى مساواته بالله تعالى في المحبة، فقال عليه الصلاة والسلام " لا تطروني كما أطرت النصارى المسيح ابن مريم، فإنما أنا عبده فقولوا عبد الله ورسوله " ومعنى الأثر أي لا تبالغوا في مدحي، وتغلوا كغلو النصارى في عيسى عليه السلام، فإن النصارى زعموا فيه أنه إله، وأنه ابن الله تعالى، فيقول تعالي " كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا " فقد خشي النبي صلى الله عليه وسلم من هذا المسلك، فنهى عن المبالغة في مدحه.
وقد وقع ما نهى عنه صلى الله عليه وسلم، حيث غلا فيه أناس حتى جعلوه في مرتبة الألوهية والربوبية، فنسبوا إليه ما لا يليق إلا بالخالق، وصنعوا به كما صنع النصارى بالمسيح، غير أنهم لم يقولوا هو ابن الله، لكنهم نسبوا إليه التصريف، وعلم الغيب، وإجابة الدعاء، وهذا إنزال له في مرتبة الألوهية، وإن لم يقولوا إنه الله، فإن العبرة بالمعاني والحقائق، كما أنهم إبتدعوا له عيدا، يحتفلون فيه بمولده صلى الله عليه وسلم، كإبتداع النصارى عيد الميلاد للسيد المسيح عليه السلام، ولم يفعله ولم يأمر به عليه السلام، كما لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم ولم يأمر في حق نفسه الشريفة، ولقد إتبع طائفة من المسلمين سنن اليهود والنصارى حذو القذة بالقذة، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلوه، كما أخبر الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم، نعم النبي صلى الله عليه وسلم.
أعظم الخلق وسيد ولد آدم وخليل الله تعالى وأعلى الناس منزلة يوم القيامة، وفي الجنة، وهو إمام الأنبياء والمرسلين، لا يبلغ مقامه نبي مرسل، ولا ملك مقرب، غير أنه تحت سقف العبودية، دون مرتبة الألوهية، وقوله صلى الله عليه وسلم "إنما أنا عبده، فقولوا عبد الله ورسوله" وهذا الحديث تقرير على هذه الحقيقة، ولجم وإبطال لدعاوى فريقين، فالأول هو الغالي الذي رفعه عن مرتبة العبودية، وذلك بقوله صلى الله عليه وسلم " فقولوا عبد الله " والأمر والثاني وهو الجافي الذي عامله كسائر الناس، فلم يميزه بالمرتبة العالية، وذلك بقوله صلى الله عليه وسلم " ورسوله " حيث قال الله تعالى في كتابه " قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء إن أنا إلا نذير وبشير لقوم يؤمنون"
وتقديم محبته النبي المصطفي صلى الله عليه وسلم على كل شيء له أربعة أسباب، فإثنان منها على سبيل الوجوب، والآخران على سبيل الإستحباب، فالأول هو أمر الله تعالى به، حيث تقدمت الأدلة الدالة على هذا، وهذا السبب وحده يكفي في الوجوب، والثاني هو منته صلى الله عليه وسلم على أمته، إذا هداهم الله به، ودلهم على طريق السعادة والنجاة من شقاء الدنيا والآخرة، والأمر الثالث هو كماله الخُلقي كرما وشجاعة، وإحسانا ومروءة وصدقا وعدلا وأمانة وحلما ورحمة وعفوا وصفحا، بالإضافة إلى العلم والفقه والبصيرة، وأية واحدة من هذه السجايا توجب محبة من تحلى بها، فكيف بمن اجتمعت فيه على أكمل وجه، فقال تعالى " وإنك لعلى خلق عظيم " وأما عن الأمر الرابع هو كماله الخَلقي، فقد كان جميلا، منيرا كالشمس، طيب الرائحة، عرقه كالمسك، معتدل القوام، حسن الشعر، جميل العين، أبيض البشرة، فله أوصاف الجمال، فمن رآه أحبه.
إضافة تعليق جديد