ارتبطت سيرة عنتر بن شداد بصراعه من أجل الحرية.. وصراعه ضد عقدة اللون والنسب، فهو ابن الجارية الحبشية ذبيبة التى سباها شداد فى إحدى غزواته..وصراعه من أجل الحفاظ على قبيلة عبس.. ثم صراعه ضد اليهود والأحباش والهنود والفرس والروم أعداء الأمة الذين هددوا سلامتها وأمنها.
صراع عنتر للفوز بعبلة
أما أشهر صراع خاضه عنتر فهو صراعه من أجل الفوز بحبيبته عبلة.. حيث يقف عائق اللون والنسب ليمنع عنتر من الزواج بعبلة، التى يرفض عمه مالك زواجه منها ويفضل عليه عمارة بن زياد غريمه وعدوه اللدود.. ويطلب والد عبلة من عنتر مهراً غالياً وهو ألفاً من النوق العصافير من أرض الملك النعمان بالعراق- وهو مطلب مستحيل- وكان الهدف أن يتخلص منه.. وبعد صراع طويل ومغامرات مضنية يعود عنتر بالمهر، ليختلق عمه عراقيل أخرى إلى أن تنتهى تلك المحاولات بالاعتراف بعنتر فارساً مغواراً بعد أن يدافع عن القبيلة ويعترف به أبوه ابناً له.. وقد أثبت عنتر أحقيته بعبلة ابنة عمه التى قال فيها أجمل القصائد وأرق المشاعر.
ثم يتزوجها عنتر فى مشهد احتفالى غير مسبوق على لسان راوى السيرة “.. وإذا بالمواشط قد خرجن من السرادق وفى أيديهم الشموع بالعنبر، والإماء بين أيديهم يضربن بالدفوف والمزاهر، وبين أيديهم عبلة البهية كأنها الشمس المضية.. بحواجب كأنها عيون الغزلان، وفم كخاتم سليمان.. وأسنان كأنها اللؤلؤ فى سلك مرجان.. ووجه كأنه القمر وقد أسعده مولاه.. وأفخاذ كأنها وسائد قد حشيت بريش نعام.
وفى ليلة الزفاف لم يسلم عنتر من محاولة قتله بالسم من مكيدة دبرها له عمارة، غير أن المكيدة تفشل وتمضى ليلة زفافهما فى أمان.. وبعد زواج عنتر من عبلة يظل الصرع مستمراً حولها، وتشهد أحداث السيرة محاولات متكررة لخطف عبلة.. ونشوب الحروب بين القبائل والأمم لتعود إلى عنتر مرة أخرى.
زوجات وأبناء من دون عبلة
وما لم يتعرض له الباحثون والمبدعون فى سيرة عنتر بن شداد تلك الأحداث التى أعقبت زواج عنتر من عبلة.. لنكتشف أن عنتر خلال غزواته الداخلية والخارجية قد تزوج سبع سيدات – غير عبلة – وأنجب منهن ثمانية أبناء كان لهم دور رئيسى فى أحداث السيرة.. وهؤلاء السيدات هن: الأميرة مهريه من بنى دارم والتى انجبت لعنتر ابنه ميسرة، والأميرة غمرة الفارسة الحبشية التى أنجبت لعنتر ابنه غصوب. ثم سروة من قبيلة بنى الضحاك بالسودان التى أنجبت ابنه الغضبان. ثم دُر مُلك أميرة بنى كنانة التى أنجبت له جار المعلم وزيدان. ثم تزوج عنتر من الفارسة العربية قناصة الرجال التى أنجبت له ابنته الفارسة عنيترة. ومن الروم تزوج عنتر من الأميرة مريم، ثم تزوج الملكة مريمان التى أنجبت له الغضنفر والجوفران.
عبلة الحبيبة التى لا تنجب
أما عبلة فهى الزوجة التى لم تنجب ابناً لعنتر، ونجد فى سياق نص السيرة إشارة عابرة تفيد بأن عبلة كانت امرأة عاقر. ولم تطرح السيرة عقم عبلة كمشكلة -رئيسية- يعيشها البطل مع حبيبته، أو تعانيها عبلة نفسها، ومن ثم فإن دور عبلة فى السيرة هو دور الحبيبة والزوجة التى عشقها البطل، حتى بعد أن تزوج عليها، فهو سرعان ما يعود إليها مرة أخرى، وهو يعود ليجد فيها عبلة التى أحبها وأخلصت روحها إليه.
لذلك فهى عبلة الزوجة الحبيبة والعشيقة فقط، أما الزوجة الأم فهى كل أمرأة ضاجعها غير عبلة، ويكون بذلك قد احتفظ بالحبيبة إلى جانب الزوجات اللائى أنجبن أولاداً من صلبه ويعدون امتداداً لحياته.
وموقف عبلة من زيجات عنتر هو موقف المرأة الأنثى التى تعرف أن قلب عنتر لا يتسع لغيرها، ويرد على لسانها هذا المعنى الذى لا يخلو من غضب النساء”.. لو ملك عنتر مائة امرأة ما يريد سواى.. ولو شئت ردته إلى رعى الجمال.. وحق ذمة العرب أنه يبقى الشهر والشهرين لم أخليه يدنو منى حتى يقبل يدى ورجلى.. وإنى معه هذا الزمان ما رزقت منه بولد. أما عنتر فقد يخفى على عبلة أمر زيجة من الزيجات، لكننا لانستشعر أن ثمة مشكلة معلنة قد نشأت بينهما بسبب زيجاته تلك.. أو حتى بين عبلة وزوجات عنتر، بل إن عبلة قد تقوم على رعاية أبناء عنتر عندما يعثر عليهم، فعنتر يتزوج ثم يترك من ضاجعها لسنوات ثم يكتشف بعد ذلك أن له أبناء.
وقد تطمئن عبلة لإحدى زوجات عنتر وتصاحبها.. كما فعلت مع قناصة الرجال التى لقبت بالهيفاء – كما سيأتى ذكره – حيث تشير السيرة إلى أن “الهيفاء قد ألفت بعبلة دون نساء الحلة وراق لهما الزمان وصفا.. وصارا روحين فى جسد واحد.. وكانت عبلة تحدثها بما جرى عليها طول الزمان وما قاست من السبى والهوان.. وصارت الهيفاء عند عبلة مثل الروح بين الأجساد وأشفق عليها من الوالدة على الولاد”
أول زوجة بعد عبلة
وأولى زيجات عنتر – بعد عبلة - كانت “مهرية” التى سباها عنتر فى أرض بنى دارم عندما سُرق منه فرسه الأبجر.. فذهب مع شيبوب لمحاربة اللقيط بن زرارة الذى سرق منه الفرس.. وكانت مهرية من بين سبايا هذه الموقعة.. حيث افتتن عنتر بجمالها وهو فى نشوة الفرحة بعودة فرسه.. فبات عندها هذه الليلة – بتعبير راوى السيرة – وتركها دون أن يعلم أنها حملت منه.
أما مهرية فقد تركت القبيلة لتربى ابنها بعيداً عن الأهل وكانت تخدم فى بيوت العرب.. ولم تخبر أحداً بحقيقة ما تم بينها وبين عنتر.. وتمر السنون بعد ذلك ليكبر الإبن ويصبح الفارس الجسور “ميسرة” الذى يبارزه عنتر دون أن يعلم أنه ابنه.. ثم يلتئم شمل عنتر وميسرة ومهرية التى يكرمها عنتر بأن يجعل لها سرادق خاص بها.. وفى هذه الليلة يفضل عنتر أن يقضى ليلته مع عبلة التى علمت أنها تسكن قلبه دون شريك .
زواجه من سروة التى لبسها الجن
أما الزوجة الثانية لعنتر فهى الأميرة سروة التى وقعت عينه عليها فى إحدى الغزوات ليجد امرأة فاتنة نائمة فى هودجها.. وعندما سأل عنها عرف أنها قد وقعت فى الأسر مع أبيها الذى ذهب يبحث لها عن علاج من الجن الذى لبسها.. فقرر عنتر علاجها بتعويذة سحرية كان قد أعطاها له صديقه الشامى مقرى الوحش.. ثم عزم على زواجه منها وطلبها من أبيها - الذى وافق مكرهاً - “فعند ذلك أجابه إلى ما طلب لعلمه أن ليس ما بين يديه منه مهرب.. وما أمسى المسا إلا والجارية له ضجيعة، وصارت عبلة لا تخطر له على بال.. ومن شدة شغفه بها أقام عندها ثلاثة أيام” .
وبعد أن أطلقها وأبوها تاهت سروة فى الصحراء وقد حملت فى أحشائها جنيناً غير مرغوب فيه قبل أن يخرج إلى الحياة. ولم يعلم أبوها بأمر حملها من عنتر.. ولما علم صرخ فى وجه زوجته معلناً عن تأزم الموقف الذى تكرر بأكثر من صورة فى سيرة عنتر.. وهو نشوء علاقة - شرعية كانت أو غير شرعية- بين أميرة أو امرأة ذات نسب ورجل أو فارس أسود.. وهو ما نلمحه فى ثورة والد سروة: إننا اتفضحنا فى ابنتنا.. فما الذى نقوله لأهلنا إذا ولدت ابنتنا، ولاسيما إذا جاء الولد مثل أبيه أسود فيشمت بنا كل أحد وينتهك عرضنا”
أما عنتر فقد مضى – كعادته - ولم يعرف بتوابع الأمور إلا بعد أن كبر ابنه الذى أصبح فيما بعد الفارس “الغضبان” ليحاربه أيضاً ثم يكتشف أنه ابنه. ويفتخر الغضبان بأبيه عنتر الذى ذاع صيته بين أبطال العرب، قال الراوى: “.. ففرح الغضبان الذى أمه من بنات الملوك، وأبيه عنتر بن شداد مبيد الفراعنة الشداد”. وهى الفرحة نفسها التى أحسها عنتر عندما علم أن أباه هو الأمير شداد الفارس المفضال، وأن أمه من بنات الملوك عندما اكتشف أنها ابنة النجاشى ملك الحبشة.
زوجة عابرة
وخلال أحداث السيرة ارتبط عنتر بزوجة عربية من قبيلة بنى كنانة اسمها “دُر مُلك”.. غير أن هذه الزيجة لم تؤثر فى أحداث السيرة، وكأن الراوى يريد أن يؤكد على أن لعنتر أكثر من ابن لأم عربية، أو أن زواجه بامرأه ما لا يمر عابراً دون أن تنجب منه. وقد أنجبت دُر مُلك لعنتر ولدين هما: “جار المعلم” و”زيدان”، وهما – مثل أمهما – لا نجد لهما مواقف مؤثرة فى أحداث السيرة حيث ذُكرا بشكل عابر.
الهيفاء قناصة الرجال
يأتى زواج عنتر من الفارسة العربية قناصة الرجال كأقرب الزيجات إلى المنطق، فقناصة الرجال هى أخت ربيعة بن المقدم الذى أُعجب عنتر بفروسيته، وقد توطدت العلاقة بينهما حتى أن ربيعة هو الذى طلب من عنتر أن يتزوج أخته قائلاً: “يا أبا الفوارس: أنا قد اخترتك أن تكون لأختى بعلاً، وهى تكون لك أهلاً، وإننى أريد ذلك حتى يتصل بيننا النسب ويكون لك ولنا خلطة وحسب”.
ويقبل عنتر الزواج من قناصة الرجال التى وقع حبها فى قلبه “وصفت نية الأمير عنتر على الزواج وفى عاجل الحال حط يده فى يد ربيعة بن المقدم .. وعقدوا عقد النكاح. وبعد ذلك زُفت أخت ربيعة فى ذلك المقام ودخل عليها عنتر فى ذلك المقدام.. فرأى لها وجه مثل البدر التمام، فأزال بكارتها، وقعدوا مع بعضهما تمام السبعة أيام.
وقد تمتع بتلك العروسة المليحة التى كأنها كوكب الصباح أو درة المصباح”. واشتهرت قناصة الرجال فى السيرة بـ “الهيفاء”.. ويصفها الراوى كفارسة عربية لها باع فى الحرب والطعان.. وقد أنجبت لعنتر ابنته “عنيترة” التى حملت فى سماتها وخصائها الوراثية فروسية الأب صاحب البطولات، كما حملت أيضاً فروسية الأم “قناصة الرجال” التى مثلت دور المرأة الفارسة فى السيرة .
لقاء درامى مع أميرة حبشية
أما علاقة عنتر بالأميرة الحبشية “غمرة” فلم تكن علاقة زواج بل علاقة سبى، وتصف السيرة الأميرة غمرة بأنها ” مائلة إلى السواد إلا أنها عريضة الأكتاف بأرداف ثقال وعينين كحال وسواعد طوال، وخلقتها مثل خلقة الأسود، وعلى أعطافها للفروسية دلائل وشهود”.
وقد التقى بها عنتر فى مبارزة طويلة ليخلص أسارى عبس منها، ولم يكن يعلم أنها امرأة، وعندما اكتشف عنتر أن الذى يبارزه امرأة نظر إليها وأعجب بها إعجاباً شديداً. وهنا يصف راوى السيرة هذا المشهد بعبارات خلابة، فيقول: “وعلمت الأميرة غمرة أنها حيرته فى أمره، واشتغل بها سره وقلبه. وكان عنتر قد غرق فى بحر هواها، ونسى عبلة وما كان عمره نساها .. وعادا إلى ضرب الصفاح، وتقابضا على ظهور الخيل حتى قل منها الجلد، وبذلت غمرة جهودها، ودام بينهما الصدام وهما فى محاربة حتى منتصف النهار.
ووقع بغمرة الانبهار وأشرفت على الهلاك فقالت: أرفق بأسيرك يا وجه العرب، وأردت يديها كتاف، فشدها وقوى منها الأطراف وهو فرحان، ودفعها ألقاها على ظهرها وقد افتتن بسواد شعرها، فركب على صدرها صار بين نهودها، وضمها إلى صدره وقبلها بين عينها”
مشهد يمكن تصويره سينمائياً وإخراجه فى دراما غير مسبوقة.. كيف لعنتر البطل الذى يحمل مقومات الحرية والعدالة والفروسية أن يغتصب امرأة عربية حتى لو كانت تحاربه؟!.. هذا المشهد قد يعكس النزعة الجاهلية فى امتلاك الأنثى جسدياً بعد سبيها على أساس أن هذا حق مكتسب فرضته تقاليد البيئة العربية حينئذ، وهو ما جعل للنسب قيمة أساسية فى هذه الحياة، وهى المشكلة التى وقع فيها عنتر منذ بداية حياته، فعلى الرغم من أن أمه ذات أصل حبشى، فهى جارية فى بنى عبس الذين سبوها، وعنتر – ترتيباً على ذلك – ابن الجارية التى يصعب الاعتراف بنسبها أو نسب ابنها لشداد.
كل هذه التقاليد كانت تدركها الأميرة غمرة جيداً، وهى فى موقف لا تحسد عليه. لذلك نجدها تدافع عن نفسها بكل ما تملك من قوة خشية الوقوع فى الشرك موجهة حديثها لعنتر وهى تسبه سباً علنياً وصريحاً: “ما الذى تريد يا ولد الزنا .. تهتك أرباب الخدور، وتدعى أنك رجل غيور”.
ولم يستطع عنتر أن يبرر فعلته، وهو الذى يدافع عن الفضيلة والشرف مقاوماً التقاليد الجاهلية، بل هو البطل الذى برزت عقدته من فعله كهذه فى ليلة قريبة الشبه بتلك الليلة، وجاء رده على غمرة ضعيفاً: “فقال لها وقد صعب عليه قولها: ويلك يا بنت القرنان أنا من خلف الستور أخذتك أم بقائم سيفى ملكتك، وحق ذمة العرب وشهر رجب، ولولا أنك خلف مستر وخفاء، لما كنت نظرت إليك فى هذه البيداء، وإنما خروجك عن حد بنات العرب أوجب لك هذه الفعال، على أنى قد رأيت كثيراً من أشكالك ولا طلب قلبى غير عبلة بنت مالك، والآن قد خطر لى هذا الخاطر، وما أعرف معناه، وظفرت بك فى هذه الفلا، ولابد ما أبلغ المنا”
لم يعرف عنتر مالذى دفعه لاغتصاب الأميرة غمرة فى الصحراء على هذا النحو.. وهو المحب لعبلة والمخلص لها؟..
وبعد أن ينل منها عنتر بغيته.. تتفق معه غمرة أن يكون ما حدث بينهما سراً .. ثم يفترقان وتستمر الحكاية لتختفى”غمرة” عن الأنظار وهى تحمل فى أحشائها طفلاً حتى أنجبته سراً، ونشأ الفتى مع أمه، وهى تخفى عليه أنها أمه، بل ادعت أنها سيدته وهو واحد من عبيدها المقربين..
ويتجمد الزمن عند هذا الحدث إلى عدة سنوات، حتى نقف على سبب منطقى لهذه النزعة الغريبة على شخصية البطل - وإن كانت طبيعية بالنسبة للبيئة التى تدور فيها الأحداث – ليخبرنا راوى السيرة أنه القضاء والقدر حتى ينجب عنتر من هذه الأميرة الفارسة بطل فارس هو “غصوب” – لاحظ دلالة الإسم – الذى سيقف إلى جوار أبيه فى مواجهة أعداء العرب.
زوجتان من بلاط قيصر
وكان لعنتر مغامراته فى أرض الروم بعد أن أظهر هناك فروسية نادرة إلى أن جلس إلى جوار قيصر وأصبح واحداً من أصدقائه وندمائه.. لتعجب به الأميرة مريم إعجاباً شديداً وحدثت أخاها الأمير بلقام فى الأمر حتى أنه ذهب إلى عنتر ليخبره أن اخته لا تستطيع العيش بدونه وعرض عليه الزواج منها.. وبالفعل يتزوجها عنتر ويقضى عندها أيام وليال ملاح.. يقول راوى السيرة: “..وكانت ليلة تذكر فدخل بها فوجدها أبهى من الشمس والقمر.. وهى طيبة القناص ودرة الغواص.
ودخل بها الأمير عنتر من ليلته وقد بلغ منتهاه من مراده وبغيته” .. وعندما استعد للعودة لبنى عبس طلب من بلقام أن تبقى مريم عنده على أن يزورها من حين لآخر.. غير أنها أصرت على اصطحابه وأعلنت عن ارتباطها به أينما ذهب “فلما سمع الأمير عنتر هذا الكلام المنتظم.. زاد فيها رغبة ومحبة، ولكنه اختشى من عتب عبلة وقناصة الرجال.. وخاف من تكدير عيشه وما هو فيه من الحال “
وتمضى الأحداث فى مشاهد أخرى فى بلاط قيصر حيث يلمح عنتر امرأة رومية تمضى نحوه وسط جاريات الروم.. ويسأل زوجته مريم عنها فتخبره بقولها: “يا فارس الزمان هذه هى الملكة مريمان بنت الملك الليمان الذى قتلته فى الميدان، وهى أخت الملك سرجوان الذى جندلته فى حومة الميدان. وتصفها السيرة بأنها “البدر بين الكواكب.. وهى كأنها الشمس الضاحية فى السماء الصاحية.. قد كسفت حسن الجميع بغرائب جمالها البديع.. وعلى رأسها تاج ملوكى مكلل بالجواهر لبس ملوك الأفرنج.
وما زالت تمشى وتتمخطر فى ذلك المرج الأخضر حتى قربت من عنتر”.. وتطلب منه مريمان أن يفك أسر أحد أمراء الروم فيوافق عنتر، ثم يتزوج هذه الملكة التى تصفها السيرة فى صورة المرأة الجميلة غير العربية، والتى تنجب للبطل الفارسان الروميان “الجوفران” و”الغضنفر” اللذان يعودان عند الكبر – بعد موت عنتر – ليقوما بدور عابر فى حماية قبيلة بنى عبس.
لماذا هذه الزيجات؟..
رغم هذه الزيجات المتعددة لعنتر بن شداد من نساء يمثلن ثقافات متعددة.. فإننا لا نستطيع أن نفسرها بأن عنتر كان رجلاً شهوانياً يجرى وراء ملذاته، فمقوماته الدرامية لا تشى بذلك.. ومن ثم لا نستطيع سوى أن نقف فى صف راوى السيرة الذى أكد فى أكثر من موضع أن القدر كان سبباً رئيسياً.. فالحبكة الدرامية كانت تحتاج لأن يكون للبطل أبناء من صلبه يستكملون معه المسيرة.. ولم تشهد السيرة تعلق عنتر عاطفياً بأية امرأة تزوجها أو ضاجعها.. بل إن الأمر سرعان ما يذهب فى طى النسيان.. حتى نحن القراء قد ننسى خلال آلاف الصفحات أنه تزوج من هذه المرأة أو تلك..
أما زواج عنتر من نساء الروم فربما يكون تأكيداً على انتصار البطل فى حروبه ضد ملوك الروم الذين يعجبون به فارساً مغواراً.. وشاعراً رائعاً..
غير أن انعكاس علاقات عنتر النسائية لا نستشعرها إلا عندما يظهر الأبناء على سطح الأحداث.. أما الحب الأول والأخير فهو لعبلة التى لم تتعرض للقصص التقليدية المرتبطة بالولادة والتربية وغيرها.. بل تفرغت فقط لحوار القلب وأحاديث الحب.
إضافة تعليق جديد