نعلل بالدواء إذا مرضنا فهل يشفي من الموت الدواء ونختار الطبيب فهل طبيب يؤخر ما يقدمه القضاء وما أنفاسنا إلا حساب ولا حسراتنا إلا فناء أأمل أن أحيا وفي كل ساعةٍ تمر بي الموتى تهز نعوشها وهل أنا إلا مثلهم غير أن لي بقايا ليالٍ في الزمان أعيشها إن هذا الموت يكرهه كل من يمشي على الغبرا وبعين العقل لو نظروا لرأوه الراحة الكبرى يوشك من فرّ من منيته في بعض نمراته يوافقها من لم يمت غبطةً يمت هرماً للموت كأس والمرء ذائقها النفس تبكي على الدنيا وقـد علمـت أن السعادة فيهـا تـرك مـا فيهـا لا دار للمرء بعـد المـوت يسكنهـا إلا التي كـان قبـل المـوت يبنيهـا فـإن بناهـا بخيـر طـاب مسكنـه وإن بناهـا بشـر خــاب بانيـهـا أموالنـا لـذوي الميـراث نجمعهـا ودورنـا لخـراب الدهـر نبنيـهـا أين الملوك التـي كانـت مسلطنـة حتى سقاها بكأس المـوت ساقيهـا فكم مدائن فـي الآفـاق قـد بنيـت أمست خرابا وأفنى المـوت أهليهـا لا تركنـن إلـى الدنيـا ومـا فيهـا فالمـوت لا شـك يفنينـا ويفنيهـا لكل نفـس وإن كانـت علـى وجـل مـن المنـيـة آمــال تقويـهـا المـرء يبسطهـا والدهـر يقبضهـا والنفس تنشرهـا والمـوت يطويهـا إن المـكـارم أخــلاق مطـهـرة الديـن أولهـا والعـقـل ثانيـهـا حتى ســليمان ما تمّ الخلود له والريح تخدمه والبدو والحضر دانت له الأرض والأجناد تحرسه فزاره الموت لا عين ولا أثر أبداً تصرُّ على الذنوب ولا تعـي وتكثر العصيان منك وتدَّعي أبـداً ولا تـبكي كأنـك خالدٌ وأراك بين مـودِّعٍ ومشـيِّعِ لِدوا للموت وابنوا للـخـراب فكلكم يصير إلـى تـبـاب لمن نبني ونحن إلـى تـرابٍ نصير كما خلقنا للـتـراب ألا يا موت لم تقـبـل فـداءً أتيت فما تحيف ولا تحابـي كأنك قد هجمت على مشيبي كما هجم المشيب على شبابي كم من صحيحٍ بات للموت آمنـاً أتته المنايا بغتةً بعد ما هـجـع فلم يستطع إذ جاءه الموت بغـتةً فراراً ولا منه بحيلةٍ امـتـنـع ولا يترك الموت الغنى لمـالـه ولا معدماً في المال ذا حاجةٍ يدع هو الموت مـا مـنـه ملاذ ومهرب مـتى حط ذا عن نـعـشه ذاك يركب نـؤمل آمـالاً ونـرجوا نـتـاجها وعـل الـردى مما نـرجـيه أقـرب ونبني القصور المشمخرات في الهوا وفـي علمـنا أنـا نمــوت وتخرب لا تَأْمَنِ الموتَ في طَرْف وفي نَفَس ولو تَمَنَعْتَ بالحُجَّابِ والـحَـرَسِ فما تزالُ سِهَامُ الـمـوتِ نـافـذةً في جَنبِ مُدَّرعٍ منّـا ومُـتَّـرسِ ما بالُ دينكَ تَرْضَى أن تُـدَنِّـسَـهُ وثوبُك الدهر مَغسولٌ من الدَّنَـسِ ترجو النَجاةَ ولم تَسْلُكْ مسَالِـكَـهـا إن السفينةَ لا تجرِي علـى يَبَـس الموت لاشك آتٍ فاستعد له إن اللبيب بذكر الموت مشغول فكيف يلهو بعيشٍ أو يلذ به من التراب عليه عينيه مجعول أذكر الموت ولا أرهبه إن قلبي لغليظ كالحجر أطلب الدنيا كأني خـالدٌ وورائي الموت يقفو بالأثر وكفى بالموت فاعلم واعظاً لمن المـوت عليه قد قدر
إضافة تعليق جديد