متابعة د.شاهي علي.....
" من قتل نفسا بغير نفس، أو فساد في الأرض، فكأنما قتل الناس جميعا"
عندما تسود شريعة الغاب يعم الفساد ولن نجد في الأسباب ذريعة أو جواب سوى عصبية عمياء لا تعرف للحق سبيلا أو احتواء
آفة كارثية تجوب مجتمعاتنا العربية منذ عصور الجاهلية وما زال العرب يسبحون عكس التيار ضاربين بعرض الحائط تعاليمهم الدينية والإنسانية ولطالما تسببت بمصائب جماعية وهجرات قسرية ،
تعددت الأسباب العائلية والسياسية والمذهبية والنتيجة دائما همجية ،
الثأر أو الإرث الملعون يندرج ضمن لعنات شرقنا اللامتناهية ومن أسوأ عاداته الموروثة التي تهدد أمن وسلامة المجتمع بأكمله
عندما يتخطى القانون السفهاء تسفك دماء الكثير من الأبرياء وعندما يصبح القصاص من اختصاص عامة الناس تحصد الأرواح دون احساس ،
العصبية متفشية في ارجاء الوطن العربي ولو كتم أولياء الدم غيظهم وانفعالهم لنالوا بعفوهم العزة.
" .. وما زاد الله عبدا بعفو الا عزا " بالعفو والصفح تكسب محبة الله واحترام الناس الذين تحرروا من قيود الجاهلية ولكن الأخذ بالثأر توارثته الأجيال وكأنه وصية يحملها الآباء ويوصون بحملها الأبناء كمن أخذ بثأر أبيه بعد أربعين عاما،
"العنف لا يولد الا العنف " وثقافة الانتقام والتحريض عليه تؤجج تداعيات الفتن ،
دماء تهدر عبثا في وضح النهار وعنف يعصف بمجتمعاتنا بأبشع الأشكال وجرائم يخطط لها وتنفذ عن سبق إصرار ،
آفة ينبذها الشرع والأخلاق والأعراف لا بل مستنقع يبتلع من دخله بتسرعه وتهوره وتجرده من سلوكه الأخلاقي والإنساني،
وغالبا ما تكون شرارة المصائب أمرًا تافها لو تمهل أصحابه وتعقلوا بمعالجته لتمكنوا من حقن الدماء ،
كان وسيم في ريعان شبابه وعنفوانه يسكن هو وعائلته في قرية مجاورة لقريته التي ولد فيها وكان يمضي معظم نهاره في ممارسة الرياضة مع أبناء القرية المقيم فيها وكان يتعرض لمناكفات متعددة وطبيعية تواجه أغلب الشباب في مراحل طيشهم الا أن إزدياد الخلافات كان يشحن نفوس الشبان بالغضب والتوتر كما حصل في مشكلته الأخيرة التي تسببت بصراع مميت عقب مشادات كلامية حيث تكاتف شبان تلك البلدة وتعاونوا على ضربه بهمجية ودون أي شفقة حتى وقع مضرجا بدمائه ولفظ أنفاسه الأخيرة في غضون دقائق معدودة ،
كانت الصدمة أكبر من أن تصدق ولا يمكن لعقل راجح أن يتقبلها فلا مبرر لتدفق الغضب الذي جعل قلب وسيم يتوقف عن الخفقان .
أمطرت القلوب غيظا وكراهية ونقمة بعد مواراته الثرى فلن تبرد دماء ذويه إن لم ينتقموا لفلذة كبدهم الذي سقط غدرا لكنهم انتظروا الفرصة المناسبة بعد مرور أشهر على الفاجعة حيث أقدم أخوه على إختراق حالة الإنتظار برصاصة أطلقت على رأس شاب قيل أنه قد شارك في الجريمة النكراء ..
وخلف واجهة الاحاديث المتناقلة تبين لاحقا بأن القتيل قد زج إسمه زورا في صحيفة الحدث التي دونتها ألسن الفتنة والرياء ،
ارتدى أهله حداد ذنب لم يرتكبه وتجرعوا مرارة الظلم المفبرك على أيدي أبطال الشرف العابثين بشرع الله والقانون ..
مأساة لاحقت العائلتين و علّقت على جدران مآسي شرقنا المكبل بعصبية عمياء وتكدست تفاصيلها الحالكة على رفوف ذاكرة الذنوب النكراء..
نفوس استنشقت الجهل حد الثمالة وتذرعت بشرع زمن غابر لم يحمل معه سوى شهوة القوة وشريعة الغاب .
ويا ليتنا ورثنا حلم العابرين على مصابهم كما ورثنا عصبية الجاهلية ، أخبرونا عن حرب داحس والغبراء وعن عواقبها وحصادها فتشربت النفوس الضعيفة تفاصيلها لكنهم لم يتقنوا غرس العفو والسماح في عروق الاجيال ولم يرددوا على مسامعنا كيف وممن تعلّم الأحنف حلمه
"وعن سؤال الأحنف فإنه قيل له: ممن تعلمت الحلم؟ قال: من قيس بن عاصم المنقري، رأيته يومًا قاعدًا بفناء داره جالسًا ومعه سيفه، يحدث قومه إذ أتي برجل مكتوف، وآخر مقتول.
فقيل له: هذا ابن أخيك قتل ابنك، قال: فو الله ما تحرك من مجلسه، ولا قطع كلامه، فلما أتمه التفت إلى ابن أخيه، فقال: يا ابن أخي: بئس ما فعلت، أثمت بربك، وقطعت رحمك، وقتلت ابن عمك، ورميت نفسك بسهمك، ثم قال لابن له آخر: قم يا بني فوار أخاك، وحل كتاف ابن عمك، وسق إلى أمك مائة ناقة دية ابنها، فإنها غريبة."
ولو تسلح المبتلون بالعقل والحلم لما اعتنقوا ملة الشر
وكم من عفوٍّ حليم استعان بالصبر على مكاره الدهر فبنى بإيمانه قلاعا شيمتها السماح وجسورها من يسر .
يتبع ….
إضافة تعليق جديد