بقلم دكتور يحيي زكريا جاد
هناك من يفرق بين الحزن على الوفاة لأسباب إنسانية والحزن لأسباب أيدلوجية. فعندما تحدث وفاة طبيعية أو بسبب حادثة عادية؛ نجد الكثيرين وخاصة من غير أهل الضحايا (وربما) بنفس الدرجة من التأثر. رغم أن الحوادث العادية تدخل تحت بند عدم العمد حتى لو كانت بسبب الإهمال. أما عندما تحدث حادثة بفعل فاعل عن عمد نجد أن هناك إنقسام, فنجد فريق يشعر بالحزن والفزع والجزع حتى من غير أصحاب الضحايا, بينما نجد فريق أخر (أو الفريق الأخر) يشعر بمشاعر على النقيض كالفرح والبهجة والشعور بالفخر والنصر والشماتة رغم عدم علمهم أو عدم وجود أدنى درجة للعلاقة مع الضحايا. وربما (ربما) يكون هناك عدد ضمن هذا الفريق أو هذه الجماعة, أو من المؤيدين أو المحبين أو المتعاطفين معه ( أيا كانت طبيعة العلاقة مع هذا الفريق) من لا يشعر بهذه المشاعر السلبية كما يفعل بقية الفريق, لأن لديه بقية مشاعر إنسانية أو لديه عقل ومنطق. وإلى هؤلاء أقول:
- هل العلاقة مع هذا الفريق أو هذه الجماعة (أيا ما كان إسمها) يرقى إلى درجة الإيمان بالديانة أو يزيد عليها؟
- هل يكون لديكم علم مسبق بكل عملية قبل تنفيذها؟ وهل توافقون؟ أم أن هناك من يخطط ويقرر وينفذ بالوكالة عنكم وعليكم الموافقة والتأييد؟
- هل وضع أحدكم نفسة (ولو مرة واحدة) في موضع أهل أو أصحاب أو أحباب أو المتعاطفين مع ضحايا العمليات الإرهابية سواء شهداء أو مصابين العمليات؟
- هل سأل أحدكم نفسه لماذا تم استهداف هذه الأفراد دون غيرها؟ أم لا يوجد فرق وبالتالي فالكل مستهدف وما هي إلا مسئلة وقت وسوف يأتي الدور على البقية؟
- إلى متى تغلقون عقولكم وقلوبكم ولا تفرقون بين من يدعون إلى التوحيد باسم الدين, ومن يدعون إلى القتل وسفك الدماء باسم الدين أيضاً؟
- هل من المنطقي أن يترك الإنسان نفسه (وإلى مالا نهاية) لغيره يحدد له أهدافه ويوجه مشاعره ويحمله نتائج أعماله وتصرفاته وتقديراته و.. , ..؟
وهنا لا أقول لهؤلاء تخلو عن جماعتكم أو أي شئ من هذا القبيل (لأني أعرف النتيجة مسبقاً), ولكن أقول لهم: أليس من العدل والحكمة أن يعطي الإنسان نفسه فرصة لمراجعة مواقفه وأهدافه ومبادئه وما يُقبل وما لا يُقبل ثم يعود ويقرر من جديد؟, هل يستمر على ما كان عليه؟ أم يكتشف أن هناك بعض الأمور تحتاج إلى تفكير وتغيير موقف سواء بشكل جزئي أو كلي؟, ليثبت لنفسه قبل أن يثبت لغيره أنه ليس مسير وأن لديه إرادة لاختيار ما يقتنع به, وما يمكن أن يدفعه ثمن لهذه القناعات, أو ما يمكن أن يحصده نتيجة هذه الإنتماءات.
وأعتقد (وهذه قناعتي) أن الثبات على أي قناعات إنسانية موت. بمعنى أن الإنسان الذي يضع نفسه في موضع ما ويعتقد أنه ليس في الإمكان أبدع مما كان, ويستسلم لأمر (سواء بالاختيار أو بالإجبار) هو في عداد الأموات فكريا على أقل تقدير, لأنه قد يأتي يوم ويدرك عدم صحة افكاره وقناعاته السابقة؛ ألم تكن هجرة الرسول للوطن والأهل والعشيرة سبب ووسيلة للنجاة من الفكر السائد إلى الفكر الجديد الذي يدعو إلى الحب والمودة والرحمة, وينبذ العدوان وسفك الدماء, وكان شعاره إدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة؟!!!
د/ يحيى زكريا جاد
إضافة تعليق جديد