كتب- د.إيهاب طلعت:
قالت الدكتورة روحية مصطفى الجنش أستاذ الفقه المساعد بجامعة الأزهر:الاغتصاب من أبشع وأشنع الجرائم التي قد تتعرض لها المرأة المسلمة ، لأنه ليس جريمة اعتداء على العرض فقط وإنما ترويع وتخويف وتهديد وإيذاء للمغتصبة ، ولذا عده علماء المالكية من الحرابة ( الإرهاب ) وفيه العقوبة المقررة في الشرع من الإعدم ، أو تقطيع الأطراف من خلاف ، أو النفي من الأرض .
قال تعالى : ( إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنْ الأَرْضِ ) المائدة 33 .
قال ابن العربي يحكي عن وقت قضائه : رُفِعَ إلي قومٌ خرجوا محاربين إلى رفقة فأخذوا منها امرأة مغالبة على نفسها من زوجها ، ومن جملة المسلمين معه ، فاحتملوها ، ثم جد فيهم الطلب فأُخذوا وجيء بهم ، فسألت من كان ابتلاني الله به من المفتين فقالوا : ليسوا محاربين ! لأن الحرابة إنما تكون في الأموال لا في الفروج ! فقلت لهم : إنا لله وإنا إليه راجعون ! ألم تعلموا أن الحرابة في الفروج أفحش منها في الأموال ؟! وأن الناس كلهم ليرضون أن تذهب أموالهم وتحرب من بين أيديهم ولا يحرب المرء من زوجته وبنته ، ولو كان فوق ما قال الله عقوبة لكانت لمن يسلب الفروج .
ثانياً : أما حكم إسقاط الجنين الناتج من الاغتصاب ففيه بعض التفصيل :
إن كان الحمل قد تجاوز فترة نفخ الروح فيه ، و هي أربعة أشهر ، أي مائة و عشرون يوماً : فلا يجوز إسقاطه مطلقاً ؛ لأنه قتل نفس ، و إزهاق روح .
وإن كان الحمل لا يزال فيما قبل الأربعين يوماً ، فلا تردد أبداً في جواز إجهاضه حالة الاغتصاب ؛ لأننا إذا قلنا بجواز ذلك للحاجة ، فلا حاجة أشدّ من رفع الضيق و الحرج الناجم عن هذا الاغتصاب عملاً بمذهب المالكية والشافعية في ذلك .
و إن كان مضى على الحمل أربعون يوماً ، و لم يصل إلى نفخ الروح : فيباح إسقاطه ؛ لما يلي :
1- لأنه يندرج تحت القاعدة الشرعية : " الحاجة تنزل منزلة الضرورة ، عامة كانت أو خاصة " . فيباح للمرأة التي حملت من الاغتصاب أن تُسقط جنينها في هذه الحالة ، فأي حاجة أعظم مما وقعت فيه المرأة من هتك عرضها ، وتدنيس سمعتها هي وأهلها .
2- إعمال قاعدة " درء المفاسد أولى من جلب المصالح " ، بل الناظر لواقعة الاغتصاب يجد أنها محفوفة بالمفاسد التي تلحق بالمرأة وأهلها ، ولا مصالح فيها
3- العمل بقواعد رفع الحرج التي اتسمت بها الشريعة الإسلامية السمحة ، فأي حرج أشد حاجة إلى رفعه من العار الذي يلحق بالمرأة .
4- اختلاف الفقهاء في حكم أجهاض الجنين قبل نفخ الروح فيه ، فما دام هناك من الفقهاء من قال بجواز الإجهاض قبل نفخ الروح عموماً ، فلم لا يعمل قولهم في حالة الاغتصاب ، و التي تعدّ من أبشع الجرائم في عرف الإنسانية ؟ و خاصة أنها جريمة لم ترتكبها الحامل ذات العلاقة ، و لا الجنين المظلوم ثمرة تلك العلاقة ، بل فرضت عليهما فرضاً.
و لا بدّ من التنبيه على أنّ القول بإجهاضه إنما يندرج تحت حكم الإباحة ، فلو آثرت المرأة أن تكمل حملها ، و تضع مولودها ، و تعتني به ، فلا مانع من ذلك ، بل ربما كان لها من الأجر عند الله الشيء الكثير .
ويجب أن نعلم أن هذاالحكم يشترط فيه عدة ضوابط منها ، أن يكون الحمل ناتجاً من جريمة اغتصاب حقيقية ، مع عجز المغتصبة عن دفعه ولو بالفرار أو بقتل الغاصب ، أي يشترط أن لا يكون لها اختيار وقت الفعل .
نسأل الله تعالى أن يستر بنات المسلمين ونسائهم في مشارق الأرض ومغاربها ، إنه ولي ذلك والقادر عليه . اللهم آمين . والله تعالى أعلى وأعلم
إضافة تعليق جديد