بقلم / محمـــد الدكـــروري
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أما بعد يقول الإمام تقي الدين ابن تيمية " وأما التكفير فالصواب أنه من اجتهد من أمة محمد صلي الله عليه وسلم وقصد الحق فاخطأ لم يكفر، بل يغفر له خطؤه، ومن تبين له ما جاء به الرسول فشاق الرسول من بعد ما تبين له الهدى واتبع غير سبيل المؤمنين فهو كافر، ومن اتبع هواه وقصر في طلب الحق وتكلم بلا علم فهو عاص مذنب ثم قد يكون فاسقا وقد تكون له حسنات ترجح على سيئاته، فالتكفير يختلف بحسب إختلاف حال الشخص فليس كل مخطئ ولا مبتدع ولا جاهل ولا ضال يكون كافرا بل ولا فاسقا بل ولا عاصيا، لا سيّما فى مثل مسألة القرآن.
وقد غلط فيها خلق من أئمة الطوائف المعروفين عند الناس بالعلم والدين وغالبهم يقصد وجها من الحق فيتبعه ويعزب عنه وجه آخر لا يحققه فيبقى عارفا ببعض الحق جاهلا بعضه بل منكرا له ومن ههنا نشأ نزاعهم" وقال الإمام ابن تيمية أيضا "إذا إجتمع في الرجل الواحد خير وشر وفجور وطاعة ومعصية وسنة وبدعة إستحق من الموالاة والثواب بقدر ما فيه من الخير واستحق من المعاداة والعقاب بحسب ما فيه من الشر فيجتمع في الشخص الواحد موجبات الإكرام والإهانة كاللص تقطع يده لسرقته ويعطى من بيت المال ما يكفيه لحاجته وهذا هو الأصل الذي اتفق عليه أهل السنة والجماعة وخالفهم الخوارج والمعتزلة ومن وافقهم" وفي تقريرات أئمة الدعوة ذم مذهب الخوارج وبيان خبثه والتحذير منه والشناعة على أهله، وقال الشيخ سليمان بن عبدالله رحمه الله "
وفي الآية أي قوله تعالى كما جاء في سورة النساء " إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء" ردّ على الخوارج المكفرين بالذنوب وعلى المعتزلة القائلين بأن أصحاب الكبائر يدخلون النار ولا بد" وإن التكفير نوعان، فالأول هو التكفير المطلق الوصفي وهو الحكم على الفعل أو القول بالكفر، فيقال من فعل كذا أو قال كذا فقد كفر دون تنزيل الحكم وإيقاعه على الشخص المعيّن المحدد، والثاني وهو تكفير المعيّن الشخصي وهو الحكم بالكفر على الشخص المعين الذي فعل الكفر أو قاله بعد التحقق من توفر الشروط وإنتفاء الموانع، وللتكفير والحكم به شروط عند أهل السنة وتنقسم إلى شروط في الفاعل وهي التكليف والقصد والاختيار، وشروط في الفعل أو القول المكفر وهي أن يكون فعله أو قوله قد ثبت بالأدلة الشرعية أنه كفر أكبر أو شرك أكبر.
بنص علماء الأمة عليه، وأن يكون الفعل أو القول صريح الدلالة على الكفر بخلاف المحتملات، وكذلك الجزم بوقوع الشخص المعين في ذلك الكفر كذلك العلم بإقامة الحجة عليه، وقال شيخ الإسلام "لكن من الناس من يكون جاهلا ببعض الأحكام جهلا يعذر به فلا يحكم بكفر أحد حتى تقوم عليه الحجة من جهة بلاغ الرسالة كما قال تعالى في سورة الإسراء " وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا " ومن المهمات كذلك إنتفاء الموانع من التكفير وهي موانع في الفاعل وهي ما يعرض له بما يجعله غير مؤاخذ بأفعاله وأقواله شرعا وهي عوارض الأهلية، وموانع في الفعل المكفر لكون الفعل غير صريح في الكفر أو أن الدليل الشرعي غير قطعي الدلالة، وأيضا موانع في الثبوت كالقدح في شهادة من شهد على المعين بفعل أو قول مكفر.
ومن المعلوم أن الإيمان شُعب منها ما يزول الإيمان بزوالها أو إنتقاضها ككلمة التوحيد ومنها ما ينقصه مع بقاء أصله، وهذا وباب التكفير بالباطل هو الغلو في الدين كما قال الله تعالى "يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم" وفي مسلم عن ابن مسعود مرفوعا "هلك المتنطعون" قالها ثلاثا، وعند النسائي بسند حسن عن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعا " وإياكم والغلو فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين" كذلك التفريط مذموم "خذوا ما آتيناكم بقوة " والرجال إنما يعرفون بالحق وليس الحق معروفا بالرجال، فالخوارج المارقة وصفهم نبي الله صلى الله عليه وسلم بقوله "يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم" متفق عليه، مع وصفه لهم بأنهم " يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان" وقال " لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد" رواه البخاري، وفي مسلم "هم شر الخلق والخليقة" وعند أحمد والحاكم "الخوارج كلاب أهل النار"
إضافة تعليق جديد