رئيس مجلس الإدارة   
            د/ نبيلة سامى                   

                                               

          صحافة من أجل الوطن 

              (  مجلة مصر )

                             ( أحدث إصدارتنا)

الأربعاء 14 مايو 2025 8:23 م توقيت القاهرة

وقفه مع القيم الأخلاقيه بالقرآن الكريم

بقلم / محمـــد الدكــــرورى

إن الخلق هيئة نفسية ثابتة تصدر عنها الافعال الحميدة من غير تكلف أو تعسف وقد وثق الإسلام صلة الخلق بخالقهم ، وعمل على تزكية العلاقات الإنسانية وتنميتها، فمهد لها تربتها الطيبة المنجبة، وذلل كل وسائل الولاء والنقاء بما أشاعه فيها من خصب، وما بثه في جوانبها من مكارم مترعة بكل المثاليات، وما طهر به مجرى حياتها من رذائل كانت تشكل ظلمات بعضها فوق بعض، وكان النموذج الحي الذي تمثلت فيه طهارة الظاهر ونقاء الباطن، هو السلوك النبوي الشريف .

والأخلاق الفاضلة من الثوابت التي لا تتغير واللازمة لكل الناس في كل الأزمان وفي أي مكان لتحقق للناس الحياة الطيبة الفاضلة ، وبالإضافة إلى ما تحققه الأخلاق الإسلامية من خير للمسلمين فقد جعل الله امتثالنا له طاعة له وعبادة نؤجر ونثاب عليها كذلك.

ولقد عني القرآن الكريم عناية كبيرة بالبناء الأخلاقي للإنسان والارتقاء بسلوكه، ليبني ويعمر ويكون بحق خليفة الله في أرضه، ويؤدي رسالته في الحياة على الوجه الأكمل، ويسهم بفاعلية في بناء مجتمعه ونهضته، ويواجه بقوة وصلابة كل التجاوزات الأخلاقية، ويقوم بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عن وعي وعلم وبصيرة.

والقرآن الكريم ، وهو الدستور الشامل لحياة المسلمين العقدية والتشريعية والأخلاقية ومن الطبيعي أن يعتني بالأخلاق، فقد جاء حاملاً لكل ما ينظم علاقة الإنسان بخالقه، وما ينظم علاقته بغيره من كل أفراد المجتمع، وما ينظم علاقته بكل عناصر الكون من نبات وماء وهواء ومخلوقات أخرى.

فقد بعث الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم متمما لمكارم الاخلاق ، وموضحا لها بسنته المطهرة قولا وعملا ، واحتوت هذه المكارم آمال الناس في شتى الجوانب ، وهيأت للحياة الطيبة مناخها الملائم وجوها الرحب ، وامتدت انظارها الحية وأبعادها الحانية ، حتى شملت القريب والغريب ومن لا يستقل بأمره ومن يستقل .

إن أخلاقيات القرآن توفر للإنسان السعادة والرضا وتزيل كل ما في نفسه من رواسب وأحقاد تجاه الآخرين حتى ولو أساؤوا إليه، كما أن هذه الأخلاق الفاضلة تحمي المجتمع من الشرور وتوفر لكل أفراده الأمن والاستقرار ، والمتأمل في العطاء الأخلاقي للقرآن الكريم يجد أن القرآن يسمو بأخلاق الإنسان فوق الصغائر، ويرسم له حياة تغلفها كل المعاني الإنسانية الرفيعة. 

وكما نعلم أن حقل الدعوة والعمل في سبيل الله للتمكين لدينه وإقامة دولته له مجالاته المتعددة والتي يلزم أن يكون الأخ فيها قدوة حسنة لما يدعو إليه ، فالقدوة العملية أكثر تأثيرا  من مجرد الوعظ والتذكير ومن جانب آخر أن لم يكن هو قدوة لما يدعو إليه ربما وضع نفسه مع من قال الله فيهم ( أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون ) أو من قال الله فيهم ( يأيها الذين ءامنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون ) .

والإمام الشهيد عندما ذكر مقومات الفرد المسلم قال أن يكون متين الخلق ولا بد أن نقف وقفة أمام لفظ ( متين ) ولعله يقصد أن تصبح الأخلاق الإسلامية جزءا أساسيا في بناء شخصية لا تتعرض للغير أو النقص بتغير الزمان أو المكان أو الأشخاص فهو يلزم بها طاعة لله ورغبة في ثوابه والله رقيب عليه في كل مكان وزمان فيظل الأخ المسلم ملتزما بأخلاقه أحسن الناس حوله أم أساءوا .

ولكن معلوما أن امتثال الأخلاق الفاضلة واجتناب الأخلاق السيئة لا يتحقق بمجرد القراءة عنها وعن فضل هذه وثوابها وعن سوء الأخرى وعقابها ولكن لابد من التمرس على امتثال الفاضلة واجتناب السيئة وهذا يحتاج إلى مجاهدة النفس وترويضها حتى تألفها وتعتادها خاصة وأن في النفس نوازع للشر يسعى الشيطان والنفس الأمارة إلى نموها وسيطرتها فلآبد من المجاهدة المستمرة ، فالنفس كالطفل أن تهمله شب على حب الرضاع ، وأن تفطمه ينفطم لذلك كان من المقومات التي ذكرها الإمام الشهيد اللازمة للفرد المسلم أن يكون مجاهدا لنفسه.

وأراد الله بحكمته أن يوجد المجتمع المسلم الذي يسوده المناخ الإسلامي الصحيح والذي يساعد الفرد على الاستقامة فدعا الله المسلمين إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بل جعل هذا من أسباب خيرية الأمة الإسلامية في قوله تعالى : ( كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر) وما دعا الله ورسوله إليه المؤمنين أن يتناصحوا وأن يذكر بعضهم بعضا والذكر تنفع المؤمنين والتواصي بالحق والتواصي بالصبر ففي ذلك نجاة من الخسران ( والعصر أن الإنسان لفي خسر إلا الذين ءامنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر ).

وإن القرآن الكريم يرسخ في نفس المسلم مكارم الأخلاق، فالمسلم الحق مثال في الصدق، والأمانة، والسخاء، والشجاعة، والتواضع، والوفاء، والحياء، والعفة، والحلم، والصبر، والعدل، والإحسان، والرحمة، والغيرة على الحرمات، وبر الوالدين، وصلة الأرحام، وإكرام الجار، والتسامح مع المخالف، والإيثار، والتعاون على البر والتقوى، وتوقير الكبير، والرحمة بالصغير، ورعاية اليتيم، والحض على طعام المسكين، وإعطاء كل ذي حق حقه.

وهذا العطاء الأخلاقي الذي تزخر به نصوص القرآن الكريم يجسد الصورة الحضارية لخاتم الكتب السماوية، ويفرض على المسلمين لكي يغيروا واقعهم أن يعودوا إلى رسالتهم السماوية، ليهتدوا بهديها، وينهلوا من عطائها الأخلاقي، ليقودوا مسيرة الحق والخير على ظهر الأرض، ويواجهوا بشجاعة كل التجاوزات السلوكية التي شاعت بينهم بسبب بعدهم عن هداية القرآن الكريم، وانصرافهم عما جاء به من سلوكيات حضارية.

ولقد جاء القرآن الكريم متضمناً كل ما يدعو إلى الفضائل وينهى عن الرذائل، جاعلاً سعادة الدنيا والآخرة جزاء من التزم بالفضائل، والشقاء والعذاب في الدارين عقاب من لم يلتزم بها، وقد نقل القرآن بتعاليمه وآدابه الأخلاقية الناس من الأنانية البغيضة إلى آفاق الإيثار الجميل، ومن القسوة والعنف والرغبة في الانتقام إلى العفو والرحمة والتسامح، واستطاع بقيمه النبيلة إقامة مجتمع تسود فيه الأخلاق الفاضلة وتحترم كرامة الإنسان من حيث هو إنسان، من دون تمييز بسبب الجنس أو الدين أو العرق أو ما شاكل ذلك من فروق مصطنعة.

وقد اهتم رسول الله صلى الله عليه وسلم بأعداد الفرد المسلم والأسرة المسلمة والمجتمع المسلم كقاعدة صلبة يقوم عليها الحكم الإسلامي ليستقر ويعلو ولن تكون قاعدة صلبة إلا على أساس متين من العقيدة السليمة والعبادة الصحيحة والأخلاق المتينة ،وهكذا كان مجتمع المدينة المنورة فلما نزلت التشريعات وجدت الاستجابة السريعة في التنفيذ والالتزام بها .

ولو نظرنا إلى سنة الله في التغيير مع خلقه نجدها متصلة اتصالا وثيقا بالأخلاق وما تحمله النفوس من خير أو شر وصدق الله العظيم ( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم )
وكما يؤكد التاريخ ذلك وأن بقاء الأمم وذهابها ارتبط إلى حد كبير بالأخلاق .

وليس المجال هنا مجال تفصيل حول الأخلاق الفاضلة التي يدعو إليها الإسلام والتي هي من ألزم الأمور لرجل الدعوة وجندي العقيدة  ، فرجل الدعوة الذي يدعو الناس ويحتك  بهم ويتعامل معهم لابد أن يتحلى بلين الجانب والتواضع والحلم كي يسع الناس ويحلم على من يجهل منهم عليه وقد وجه الله رسوله صلى الله عليه وسلم إلى هذا المعنى في قوله تعالى ( فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لا نفضوا من حولك فأعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر ) .

وأن مقابلة السيئة بالحسنة أمر مطلوب للداعية ويحتاج إلى صبر ونفس عالية ( ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين ولا تستوي الحسنة ولا السيئة أدفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولى حميم وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم ) .

ومن ألزم الأخلاق لرجل الدعوة الصدق الذي يكسب به ثقة من يدعوهم وما يدعوهم إليه بخلاف الكذب الذي يسقط صاحبه من أعين الناس والله تعالى يدعونا أن تكون مع الصادقين في قوله تعالى  ( يأيها الذين ءامنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين ) فلنلتزم بالصدق ونتحر الصدق في كل أقوالنا وأعمالنا ووعودنا وعهودنا وأن نكون ممن قال الله فيهم .

( من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا ) وطبيعة العمل في حقل الدعوة له التزاماته وعهوده ولا يصلح معه إلا الصدق والوفاء بالعهد ( إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ومن أوفي بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرا عظيما ) .

والعدل والأنصاف من النفس من الصفات الحسنة والأخلاق الفاضلة للمسلمين عامة وهي لرجل الدعوة أوجب وألزم ففيها إبراز أن الإسلام يهتم بالعدل وتقديم الحق على حظ النفس مع الناس جميعا مسلمين وغير مسلمين ( إن الله يأمر بالعدل والإحسان ) ويقول أيضا .

( يأيها الذين ءامنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا وإن تلووا أو تعرضوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا ) .

ومن عظمة القرآن الكريم أنه لم يتعامل مع الأخلاق الفاضلة على أنها جماليات للسلوك البشري من حق الإنسان الحرص عليها أو التخلي عنها ، بل جعل الحرص عليها والتمسك بها من مكملات الإيمان والتقوى.

ومن النصوص القرآنية التي ترسخ جانباً من الأخلاق الإنسانية الفاضلة في نفس المسلم، ويربط الخالق فيها بين الأخلاق والإيمان قوله سبحانه: ( قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون والذين هم عن اللغو معرضون والذين هم للزكاة فاعلون والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون ).

وهنا نلاحظ كيف يمزج القرآن الكريم بين الأخلاق الربانية والأخلاق الإنسانية ، وكما نجد ذلك واضحاً في نصوص قرآنية كثيرة منها ما ورد في أوصاف المتقين في أول سورة البقرة، وفي أوصاف أولي الألباب في سورة الرعد، وفي أوصاف عباد الرحمن في أواخر سورة الفرقان، وفي أوصاف المحسنين في سورة الذاريات، وفي أوصاف الأبرار في سورة الإنسان، وفي غيرها من سور القرآن.

ولذلك تعددت في ختام الآيات القرآنية الكريمة التي تتحدث عن الأخلاق عبارات كريمة من أمثال: (والله يحب المحسنين، والله يحب الصابرين ، إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين، إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون) كما تنوعت التحذيرات القرآنية من الأخلاق السيئة من أمثال قوله سبحانه: (إن الله لا يجب الخائنين ، والله لا يحب الظالمين ، والله لا يحب المفسدين ، إن الله لا يحب كل مختال فخور).

وفى النهايه نقول أن الدعوة إلى الاخلاق هي دعوة إلى الإسلام في أعظم نتائجه وفي أطيب ما أثمرته تعاليمه من قيم رشيدة ، وقد حفل القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة بالدعوة إلى الاخلاق، وتمثلت في الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم كل جوانب السمو والكمال في الاخلاق ، بل انه قد استوعبها كلها فكان خلقة القرآن ، ولما كان للأخلاق وزنها بين التشريع السماوي الحكيم، ولما كانت من الأهمية بحيث لا يقوم بناء إلا عليها، ولا تعتمر جوانب الحياة إلا بها ، فقد وضحت مكانتها المتميزة في الدين ومكانها الراسخ في الحياة .

تصنيف المقال : 

إضافة تعليق جديد

CAPTCHA
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.