رئيس مجلس الإدارة   
            د/ نبيلة سامى                   

                                               

          صحافة من أجل الوطن 

              (  مجلة مصر )

                             ( أحدث إصدارتنا)

الأربعاء 18 ديسمبر 2024 9:55 م توقيت القاهرة

أشهر ما في ذاكرة التاريخ من صور الخيانة.. بقلم / محمـــد الدكـــروري

اليوم : الأربعاء الموافق 18 ديسمبر 2024
الحمد لله الذي كان بعباده خبيرا بصيرا، وتبارك الذي جعل في السماء بروجا وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا، وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا، وتبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا، ثم أما بعد لقد كانت الخيانة خنجرا مسموما غرس في ظهر هذه الأمة فعانت أشد المعاناة من الذين باعوها وخانوها فضلا عن أعدائها، ولعل أشهر ما في ذاكرة التاريخ من صور الخيانة حادثة سقوط بغداد ودخول التتار على يد الخائن إبن العلقمي وكان وزيرا للخليفة العباسي المستعصم بالله، فيقول عنه ابن كثير محمد بن أحمد بن محمد بن علي بن أبي طالب، الوزير مؤيد الدين أبو طالب ابن العلقمي وزير المستعصم البغدادي، وخدمه في زمان المستنصر، أستاذ دار الخلافة مدة طويلة.
ثم صار وزير المستعصم وزير سوء على نفسه وعلى الخليفة وعلى المسلمين، مع أنه من الفضلاء في الإنشاء والأدب وكان خبيثا رديء الطوية على الإسلام وأهله، وقد حصل له من التعظيم والوجاهة في أيام المستعصم ما لم يحصل لغيره من الوزراء، ثم مالا على الإسلام وأهله الكفار هولاكو خان حتى فعل ما فعل بالإسلام وأهله، ويذكر شيخ الإسلام ابن كثير أن الوزير ابن العلقمي قبل دخول التتار بغداد كان يجتهد في صرف الجيش وإسقاط أسهمهم من الديوان، فكانت العساكر في آخر أيام الخليفة المستنصر قريبا من مائة ألف مقاتل، منهم من الأمراء من هو كالملوك الأكابر الأكاسر، فلم يزل يجتهد في تقليلهم إلى أن لم يتبقي سوى عشرة آلاف، ثم كاتب التتار وأطمعهم في أخذ البلاد وسهل عليهم ذلك.
وحكى لهم ضعف الحال وكشف لهم ضعف الرجال، وذلك كله طمعا أن يزيل السنة بالكلية وأن يظهر البدعة وأن يقيم خليفة من الفاطميين وأن يبيد العلماء المفتين، وكما قال ابن كثير كان أول من برز إلى التتار هو، فخرج بأهله وأصحابه وخدمه وحشمه، فإجتمع بالسلطان هلاكو خان لعنه الله، ثم عاد فأشار على الخليفة بالخروج إليه والمثول بين يديه لتقع المصالحة على أن يكون نصف خراج العراق لهم ونصفه للخليفة، فإحتاج الخليفة إلى أن خرج في سبعمائة راكب من القضاة والفقهاء والصوفية ورؤوس الأمراء والدولة والأعيان، فلما إقتربوا من منزل السلطان هولاكو خان حجبوا عن الخليفة إلا سبعة عشر نفسا، فخلص الخليفة بهؤلاء المذكورين، وأنزل الباقون عن مراكبهم ونهبت وقتلوا عن آخرهم، وأحضر الخليفة بين يدي هلاكو.
فسأله عن أشياء كثيرة، فيقال إنه إضطرب كلام الخليفة من هول ما رأى من الإهانة والجبروت، ثم عاد إلى بغداد وفي صحبته خوجة نصير الدين الطوسي والوزير ابن العلقمي وغيرهما، والخليفة تحت الحوطة والمصادرة، فأحضر من دار الخلافة شيئا كثيرا من الذهب والحلي والمصاغ والجواهر والأشياء النفيسة، وقد أشار أولئك الملأ وغيرهم من المنافقين على هولاكو أن لا يصالح الخليفة، وقال الوزير متى وقع الصلح على المناصفة لا يستمر هذا إلا عاما أو عامين ثم يعود الأمر إلى ما كان عليه قبل ذلك، وحسنوا له قتل الخليفة، فلما عاد الخليفة إلى هولاكو أمر بقتله، ويقال إن الذي أشار بقتله الوزير ابن العلقميي والمولى نصير الدين الطوسي، وكان النصير عند هولاكو قد إستصحبه في خدمته لما فتح قلاع الألموت وإنتزعها من أيدي الإسماعيلية.
وكان النصير وزيرا لشمس الشموس ولأبيه من قبله علاء الدين بن جلال الدين وكانوا ينسبون إلى نزار بن المستنصر العبيدي، وإنتخب هولاكو النصير ليكون في خدمته كالوزير المشير فلما قدم هولاكو وتهيب من قتل الخليفة هون عليه الوزير ذلك، فقتلوه رفسا وهو في جوالق لئلا يقع على الأرض شيء من دمه، خافوا أن يؤخذ بثأره فيما قيل لهم، وقيل بل خنق ويقال بل أغرق، فالله اعلم، فباءوا بإثمه وإثم من كان معه من سادات العلماء والقضاة والأكابر والرؤساء والأمراء وأولى الحل والعقد ببلاده، ومالوا على البلد فقتلوا جميع من قدروا عليه من الرجال والنساء والولدان والمشايخ والكهول والشبان ودخل كثير من الناس في الآبار وأماكن الحشوش وقني الوسخ وكمنوا كذلك أياما لا يظهرون إلى أن قال وعادت بغداد بعدما كانت آنس المدن كلها كأنها خراب ليس فيها إلا القليل من الناس وهم في خوف وجوع وذلة وقلة.

تصنيف المقال : 

إضافة تعليق جديد

CAPTCHA
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.