
بقلم / محمـــد الدكـــروري
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله، فلا مضلّ له، ومن يضلل، فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ثم أما بعد إن الله تعالي حكيم عليم يؤتى ملكه من يشاء وينزعه ممن يشاء، وبعد ذلك إما أن يتركه الملك أو يترك هو الملك، وفى التاريخ نرى ذلك واضحا سواء أكان هذا الحاكم عادلا أو ظالما، فهذا هارون الرشيد لما حضرته الوفاة قال أخرجونى إلى صحن الدار فأخرجوه فقال دعونى وحدى فتركوه فسمعوه وهو يقول "ما أغنى عنى ماليه هلك عنى سلطانيه، الهى وسيدى ومليكى ومولاى، يا من لا يزول ملكه ارحم عبدا ضعيفا قد زال ملكه، وهذا سليمان بن عبد الملك آلت إليه الخلافة وهو فى الأربعين من عمره حتى لقب بالملك الشاب فوقف يوما أمام المرآة.
معجبا بشبابه وفتوته متزينا بأكمل زينة متطيبا بأجمل طيب مستجمعا بمقابض يديه ضاربا به على صدره قائلا "الملك الشاب " ثم إنه لمح جارية تمر فى قصره فنادى عليها قائلا يا جارية ما رأيك فىّ؟ فصعدت إليه النظر ثم أطرقت برأسها إلى الأرض قائلة اعفنى يا أمير المؤمنين، قال لتخبرينى، فقالت أنت خير المتاع لو كنت تبقى ولكن لا بقاء للإنسان، وأنت يا مولاى قد حزت المحاسن كلها غير أنك فاني، فعكرت صفوه وخرج فرجع مريضا وظل أسبوعا فى مرضه فدخل عليه رجاء بن حيوة قائلا أنصح لك، قال سليمان أجل، قال أنصح لك بنصيحة لو قابلت الله بكل ذنب لغفر لك، قال سليمان وماهى ؟ قال أن تعهد لعمر بن عبد العزيز، فلما مات سليمان وعلم عمر بما وصى به، ذهب الناس إليه ليبايعون فكان لا يستطيع أن يقف على قدميه من الهم والحزن الذى هو فيه.
حتى أن الناس حملوه وهو يهادى بين أكتاف الرجال حتى أجلسوه ليأخذ البيعة رغما عنه، وكان يقول بعدها والله ما حدثت نفسى بها ليلا أو نهارا أو سرا أو علانية، ومع ذلك يموت هذا الرجل مسموما، ويقول الله تعالى في كتابه العزيز " اهبطوا مصر فإن لكم ما سألتم " فقد إختلف المفسرون في المراد بها، قال ابن الجوزي في زاد المسير فيه قولان أحدهما أنه اسم لمصر من الأمصار غير معين، قاله ابن مسعود وابن عباس وقتادة وابن زيد، وإنما أمروا بالمصر، لأن الذي طلبوه في الأمصار، والثاني هو أنه أراد البلد المسمى بمصر، وفي قراءة عبد الله والحسن وطلحة بن مصرف والأعمش مصر بغير تنوين، وقال أبو صالح عن ابن عباس أراد مصر فرعون، وهذا قول أبي العالية والضحاك، وإختاره الفراء، وإحتج بقراءة عبد الله، قال وسئل عنها الأعمش فقال هي مصر التي عليها صالح بن علي.
وأما حديث " أهل مصر خير أجناد الأرض " فرواه ابن عبد الحكم في فتوح مصر بلفظ إذا فتح الله عليكم مصر، فاتخذوا فيها جندا كثيفا، فذلك الجند خير أجناد، فقال أبو بكر ولم يا رسول الله؟ قال لأنهم وأزواجهم في رباط إلى يوم القيامة، وقال الشيخ عبد الله بن حمود المخلفي في رسالته للماجستير في تخريجه لأحاديث فتوح مصر أخرجه ابن عبد الحكم في فتوح مصر، والدارقطني في المؤتلف والمختلف، ومن طريقه ابن عساكر في تاريخ دمشق، وابن زولاق في فضائل مصر، وابن عساكر في تاريخ دمشق من طريقين عن عبد الله بن لهيعة عن الأسود بن مالك الحميري عن بحير بن ذاخر المعافري عن عمرو بن العاص عن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، وإسناده ضعيف، لأن مداره على ابن لهيعة وهو ضعيف، وفيه أيضا الأسود بن مالك ولم أجد له ترجمة.
وبحير بن ذاخر مجهول الحال، ولهذا الجزء من الحديث شاهد من حديث أبي سالم الجيشاني، أخرجه ابن عبد الحكم أيضا، وإسناده ضعيف، لأن مدراه على ابن لهيعة أيضا، فيا عباد الله إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكرُ الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.
إضافة تعليق جديد