بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله الذي كان بعباده خبيرا بصيرا، وتبارك الذي جعل في السماء بروجا وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا، وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا، وتبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا، ثم أما بعد اعلموا يرحمكم الله إن التوكل علي الله تعالي هي وصية الله للأنبياء عليهم السلام، ووصية الأنبياء لأقوامهم، فيقول سبحانه وتعالي مبينا ما قاله موسى لقومه " يا قوم إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين " وقال سبحانه آمرا وموجها لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم " فإذا عزمت فتوكل علي الله إن الله إن الله يحب المتوكلين " وقال له أيضا " رب المشرق والمغرب لا إله إلا هو فإتخذه وكيلا " فما أعظمها من عبادة، وما أعظمها من خصلة، ما من رسول إلا تخلّق بها وحث عليها قومه.
وهذا يدلنا على عظم هذه العبادة القلبية الجليلة التي غابت عن قلوب المسلمين، فوثقوا في كل شيء ولم يثقوا فيما عند الله سبحانه، فتوكلوا على الله أيها الناس وأكثروا من لفظ التوكل على الله موقنين بهذه الكلمة تنالوا فضلها وبركتها، ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم "إذا خرج الرجل من بيته فقال بسم الله، توكلت على الله، لا حول ولا قوة إلا بالله، فيقال له حسبك، قد هديت وكفيت ووقيت، فيتنحى له الشيطان، فيقول له شيطان آخر كيف لك برجل قد هدي وكفي ووقي؟" رواه النسائي، فما أحرانا إخوة الإيمان أن نتحلى بهذه الخصلة العظيمة التي إن تخلق بها المسلم لانت له كل الصعاب واستسلم للعزيز الوهاب، قيل لحاتم الأصم كما في سير أعلام النبلاء علام بنيت أمرك في التوكل؟ قال "على خصال أربعة علمت أن رزقي لا يأكله غيري فاطمأنت نفسي،
وعلمت أن عملي لا يعمله غيري فأنا مشغول به، وعلمت أن الموت يأتي بغتة فأنا أبادره، وعلمت أني لا أخلو من عين الله فأنا مستحي منه " فيا أيها الناس يتفاوت الناس في إيمانهم، وبذلك تتفاوت درجاتهم عند ربهم، والإيمان هو أعمال الباطن، وإذا صلح الباطن صلح الظاهر، وإذا فسد الباطن فسد الظاهر، وهذا أمر أغلبي، غير أن العمدة على القلب والعمل، فالله جل جلاله ينظر إلى قلوب العباد وأعمالهم، وأما الصور والأشكال، والحسب والنسب، فلا وزن له، ولذا قال تعالى " إن أكرمكم عند الله أتقاكم " واعلموا يرحمكم الله أن من صفات أهل اليقين هو أنهم هم الذين يستعدون للموت والحساب فأهل اليقين حينما يؤمنون بالموت والحساب فإنهم يستعدون لذلك بالأعمال الصالحة ويوقنون تماما أنهم مقبلون على رب يحاسب على الصغيرة والكبيرة، ويقول أحد السلف رأيت الجنة والنار حقيقة،
فقيل له كيف رأيتها حقيقة؟ قال رأيتها بعينى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورؤيتي لها بعينه آثر عندي من رؤيتي لها بعيني، فإن بصري قد يطغى ويزيع بخلاف بصره صلى الله عليه وسلم، وكما أن من صفات أهل اليقين هو أنهم هم الذين يحسنون الظن بالله، فهم بيقينهم يحسنون الظن بربهم ويعلمون أنهم مقبلون على رب رحيم ويستر ويغفر، فعن بكر بن عبد الله المزني قال فقد الحواريون نبيهم عيسى عليه السلام فقيل لهم توجه نحو البحر فإنطلقوا يطلبونه فلما إنتهوا إلى البحر إذا هو أقبل يمشي على الماء يرجعه الموج مرة ويضعه أخرى وعليه كساء مرتد بنصفه ومتزر بنصفه حتى انتهى إليهم فقال له بعضهم، قال أبو هلال ظننت من أفاضلهم ألا آجيء إليك ييا نبي الله ؟ قال بلى فوضع إحدى رجليه في الماء ثم ذهب ليضع الأخرى.
فقال غرقت يا نبي الله قال أرني يدك يا قصير الإيمان لو أن لابن آدم من اليقين قد شعيرة مشى على الماء، وعن الحسن قال ما أيقين عبد بالجنة حق يقينهما إلا خشع ووجل وذل وإستقام وإقتصر حتى يأتيه الموت.
إضافة تعليق جديد