بقلم د/ سماح عزازي
انتشرت في الآونة الأخيرة موجة خطيرة من التطبيقات الإلكترونية التي تسوّق نفسها تحت شعارات براقة مثل "الربح السريع"، "تحقيق الأحلام"، و"النجاة من الفقر"، بينما تخفي في جوهرها آفة خطيرة وشرًّا مستطيرًا، ألا وهي الميسر (القمار) بصورته الحديثة والمضللة.
تلك التطبيقات لا تعرض القمار بصورته الصريحة فقط، بل باتت تخدع الناس وتستدرجهم بأساليب نفسية ماكرة، من خلال قصص مفبركة يتم تداولها في المنشورات والإعلانات ومقاطع الفيديو، تحكي كيف أن "شخصًا كان غارقًا في الديون ثم لعب وربح"، أو أن "امرأة كانت تعاني من ظروف مأساوية ثم أنقذها التطبيق"!
وما هذه إلا أكاذيب ملفقة تهدف لجذب المستضعفين وإغرائهم بالوهم، بينما الواقع أن القمار لا يجلب إلا الخراب والخسارة والتدمير النفسي والاجتماعي، وقليل من ينجو بعد السقوط فيه، ومن يربح فيه مالًا سرعان ما يخسره أضعافًا مضاعفة.
التحذير الإلهي واضح لا لبس فيه
لقد حرّم الله تعالى الميسر تحريمًا قاطعًا في القرآن الكريم، فقال:
"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ"
[سورة المائدة – الآية 90]
هذا تحذير إلهي بليغ لا يكتفي بتحريم القمار، بل يأمر باجتنابه تمامًا كاجتناب الرجس والنجاسات.
تحذير نبوي من مجرد الدعوة
ولم يكتفِ الإسلام بالنهي عن ممارسته فحسب، بل جاء التحذير حتى من مجرد الدعوة أو التشجيع على القمار، ففي الحديث الشريف قال النبي صلى الله عليه وسلم:
"من قال لصاحبه: تعال أقامرك، فليتصدق"
[رواه البخاري ومسلم]
أي أن مجرد الدعوة للقمار تستوجب الكفارة، فكيف بمن يدعو إليه بمقابل مادي ويستغل الناس بدافع الطمع والجشع؟!
المقامرة الإلكترونية: الوجه الحديث لآفة قديمة
هذه التطبيقات اليوم لا تسمى "قمارًا" بل تحمل أسماءً خادعة مثل "عجلة الحظ"، "بطاقات الفوز"، "ألعاب الحظ"، أو حتى "استثمار بالجوائز"، لكنها في حقيقتها تعيد إنتاج نفس الآفة، وتنشر نفس السموم.
بل الأخطر من ذلك، أنها تستهدف الفئات الهشة اقتصاديًا، كالشباب العاطلين، والنساء المعيلات، والطلاب، وتغريهم بأوهام الغنى السريع، فينزلق الكثير منهم نحو الإدمان والديون والخراب النفسي.
مسؤوليتنا تجاه هذا الخطر
إننا أمام خطر أخلاقي واجتماعي يجب أن نواجهه بوعي جماعي، من خلال:
نشر التوعية الصريحة بحقيقة هذه التطبيقات.
مطالبة الجهات الرقابية بحظرها ومحاسبة مروجيها.
نصح الأبناء ومراقبة استخدامهم للأجهزة الإلكترونية.
فضح الأكاذيب التي تُروّج على أنها "قصص نجاح".
إن القمار لا ينجّي من الفقر، بل يضيف إليه ذنبًا وخيبة. والغِنى لا يُنال بالحيلة بل بالعمل والرزق الحلال.
ختامًا، نسأل الله أن يُجنّبنا والمسلمين الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يرزقنا الرزق الطيب المبارك فيه.
إضافة تعليق جديد