رئيس مجلس الإدارة   
            د/ نبيلة سامى                   

                                               

          صحافة من أجل الوطن 

              (  مجلة مصر )

                             ( أحدث إصدارتنا)

الخميس 24 أبريل 2025 4:51 م توقيت القاهرة

"ازرع نخلة"... حين تحوّل الإيمان إلى فخ إلكتروني

بقلم د/ سماح عزازي

في زمنٍ كثُرت فيه الحاجات وضاقت فيه ذات اليد، لم يتبقَّ للناس إلا قلوبهم العامرة بالإيمان، وميولهم الفطرية لفعل الخير. لكن، ويا للمفارقة، صار ذلك الميل نفسه بابًا مشرعًا للنصب، ومدخلًا لتجار الدين ممن يحسنون تسويق الوهم وبيع السراب على أنه صدقة جارية.

لم تكن قصة "ازرع نخلة" مجرد حالة نصب إلكتروني عابرة، بل كانت نموذجًا فاضحًا للاستغلال المقنّع، حيث تلاعب البعض بأسمى المعاني والمقاصد، فغلفوا طمعهم برداء الدين، وبثّوا حملاتهم عبر شاشات غير مرخصة، وبخطاب ديني زائف ومؤثر. رجالٌ يرتدون زي العلماء، لكنهم لم يَشمّوا رائحة العلم الشرعي، يذرفون دموعًا باردة على شاشة جوّال، ليقنعوا البسطاء بإرسال ما تيسّر من أموال "في سبيل الله".

من الخداع الإعلامي إلى أرقام الحسابات
كانت الحيلة محبوكة؛ كاميرا مهتزة، صوت رخيم، حديث عن "صدقة جارية لوالديك"، ثم رقم واتساب وحساب بنكي... وانتهى الأمر. لا شجرة زُرعت، ولا نخلة أينعت، ولا مشروع رأى النور، فقط تحويلات بنكية تتدفق إلى جيوب محترفي الاحتيال.

وبحسب ما كشفت التحقيقات، كانت العملية تُدار من شقة سكنية وسط القاهرة، تضم استوديو بدائيًا، ومجموعة أفراد يدّعون الانتماء إلى الأزهر، دون أي مؤهل ديني، وقد جمعت هذه الشبكة ملايين الجنيهات في شهور معدودة، دون إشراف، دون ترخيص، ودون أثر على الأرض.

حين يُستغل الدين... تكون الفضيحة مضاعفة
في القرآن الكريم، يقول الله تعالى:
"وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ" [آل عمران:161]،
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من غشنا فليس منا" [رواه مسلم].
فما بالك بمن غشّ في المال والدين معًا؟!

ما بعد الفضيحة... واجب الدولة والمجتمع
إنّ هذه القضية تُحتم علينا مراجعة شاملة لمفهوم العمل الخيري الرقمي، وتشدد على ضرورة وجود منصات مرخصة ورقابة صارمة، فليس كل من نطق باسم الله صادقًا، ولا كل من بكى أمام الكاميرا طاهر النية.

وقد طالبت أصوات عقلاء من علماء الدين وخبراء القانون بضرورة وضع تشريعات تجرّم انتحال الصفة الدينية، وتنظم التبرعات، بحيث تكون فقط من خلال جهات رسمية، كوزارة التضامن الاجتماعي، وبيت الزكاة المصري، ومؤسسات الأزهر الشريف.

ليست الأولى... لكن إلى متى؟
قضية "ازرع نخلة" ربما لا تكون الأخيرة، لكنها نموذج فاضح لا بد أن يُبنى عليه وعي جديد؛ وعيٌ يُحصّن الناس من فخاخ الشعارات، ويذكّرهم بأن باب الخير لا يُفتح بالكلمات الرنانة، بل بالصدق، والشفافية، والرقابة.

فالخير لا يُشترى بالكذب، والنخلة لا تنبت من وهم، بل من أرضٍ طيبة ويدٍ صادقة.

تصنيف المقال : 

إضافة تعليق جديد

CAPTCHA
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.