الحمد لله بلطفه تنكشف الشدائد وبصدق التوكل عليه يندفع كيد كل كائد، ويتقى شر كل حاسد، أحمده سبحانه وأشكره على جميع العوائد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له في كل شيء آية تدل على أنه الأحد الواحد، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبد الله ورسوله، جاء بالحق، وأقام الحجة على كل معاند صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه السادة الأماجد والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ثم أما بعد يقول الله تعالى " بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا" فإن وجدت عبدا من عباد الله قد صُبّت عليه المحن والبلايا من الله، ونصب وجهه صابرا لله، فبشره بحسن العاقبة والمآل من الله، فقد تعلمنا أن الصبر عواقبه الخير، ولقد صدق رسول الهدى صلى الله عليه وسلم إذ يقول " ما أعطي عبد عطاء أفضل من الصبر" فإن بالصبر يتوسع ضيق الدنيا.
وبالصبر تتبدد همومها وغمومها وأحزانها، يطيب العيش وترتاح النفوس وتطمئن القلوب، وصدق عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه إذ قال "وجدنا ألذ عيشنا بالصبر" وتعلمنا من غزوة بدر أن التقوى سبيل النصر للمؤمنين، وطريق الفلاح للمفلحين، فقال تعالى " بلى إن تصبروا وتتقوا" وأن بالصبر والتقوى تنزلت ملائكة الرحمن نصرة لجند الإيمان، فمن صبر وإتقى جعل له ربه من كل همّ فرجا، ومن كل ضيق مخرجا، فعلينا بالصبر فى زمان عظمت كربه، في زمان إشتدت بلاياه ومحنه، حيثما وليت بناظريك رأيت الأشجان والأحزان، نساء وأرامل وأطفال وثكالى، لا يعلم مقدار ما يعانون ولا يعلم مقدار ما يكابدون إلا الله تعالي المطلع على الخفيات، عالم السر والنجوى، فاطر الأرض والسموات، فيا أهل الإسلام لئن ضاقت الأرض عليكم فلما تضيق بالصبر والتقوى؟
إن وراء الليل فجرا، وإن تحت الرماد نارا، فصبر جميل، لعل الله أن يأتى بالفرج الجليل، فمن غزوة بدر الكبرى، قد تعلمنا أن من أسباب النصر العظيمة هو تآلف القلوب وتراحمها، فكان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في قلة من العدد والعدة، ولكن كانت بينهم المحبة والصفاء والمودة، كانوا متراحمين متعاطفين متآلفين متكاتفين متناصرين متآزرين، شعارهم لا إله إلا الله، فسبحان من أعزهم وهم أذلاء، سبحان من أغناهم وهم فقراء، سبحان من رفعهم وهم وضعاء، فالتآلف والتعاطف والتكاتف والتناصر والتآزر سبيل إلى نصر المؤمنين، طريق لعزة الأخيار والصالحين، فإن وجدت أهل الإسلام متعاطفين متراحمين فاعلم أن النصر حليفهم، وإن وجدتهم متقاطعين متباعدين متناحرين، إن مزقتهم الجماعات والحزبيات والرايات والشعارات، فادمع على الإسلام بين أهله.
ومن غزوة بدر الكبرى، استلهمنا منها مواقف المحبة والرضا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجدناهم تحت رايته لا يقولون غير قوله، لا يتقدمون عليه، ولا يؤخرون أمرا أمر بإمضائه صلى الله عليه وسلم، فإنهم حقا كما قال تعالى "رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه " ووصية لكم من كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم اعلموا أن الله طيب لا يقبل إلا طيبا، لا يقبل الله منكم إلا ما كان خالصا لوجهه، ويراد به ما عنده، فهو سبحانه وتعالى القائل فى سورة الكهف " فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا" فأخلصوا لله النيات، وأخلصوا لله العبادات والطاعات، فلا يزال العبد بخير إذا تكلم تكلم لله، وإذا عمل عمل لله، فقدموا الحقوق والواجبات، فإن كان الوالدان بحاجة إلى برّك وحنانك وعطفك وإحسانك.
فإحتسب عند الله في القيام عليهما، فكم من قائم على أم حنون يسقيها دواءها، ويعالج جراحها وداءها، بلغه الله أجر المعتكفين، وكم من قائم على أب ضعيف، شيخ كبير، يقضي حوائجه، ويرحم ضعفه، ويحسن إليه، ويجبر بإذن الله كسره، بلغه الله مقام المعتكفين، وكم من قائم على زوجة سقيمة مريضة، يقوم عليها، بلغه الله أجر الإعتكاف بما كان من إحسانه إليها.
إضافة تعليق جديد