تحرير سيناء... ملحمة وطن وإرادة لا تنكسر

بقلم د/سماح عزازي 

في الخامس والعشرين من أبريل كل عام، تستعيد مصر ذكرى مجيدة خالدة، ذكرى تحرير سيناء، حين اكتملت السيادة الوطنية على كل شبر من تراب الوطن. هي ليست مجرد مناسبة وطنية، بل شهادة حية على أن إرادة الشعوب لا تُقهر، وأن الأوطان لا تُنتزع إلا بالعزيمة والدماء والوفاء.

مبارك... قائد الضربة الجوية ورجل استرداد الأرض
لا يمكن الحديث عن ملحمة تحرير سيناء دون أن نذكر الدور الوطني للرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، الذي كان قائدًا للقوات الجوية في حرب أكتوبر 1973، وقاد الضربة الجوية الأولى التي أربكت العدو وكسرت غروره، وكانت نقطة تحول في مسار الحرب.

وبعد أن تولى رئاسة الجمهورية، استكمل مبارك مسيرة استعادة الأرض عبر المسار الدبلوماسي، وتم في عهده رفع العلم المصري على طابا عام 1989 بعد تحكيم دولي أنصف مصر. ظل مبارك مؤمنًا بأن الحفاظ على الأرض لا يتم فقط بالحرب، وإنما أيضًا بالصبر السياسي والتمسك بالحق.

لقد سجل له التاريخ هذا الموقف، فكان رمزًا من رموز صبر مصر وصمودها في مواجهة محاولات سلب السيادة

"وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ"
(الأنفال: 60)
بهذا التوجيه الرباني استلهم المصريون طريقهم، فاستعدوا، وصبروا، وجاهدوا، حتى جاء النصر في السادس من أكتوبر عام 1973، حين عبرت القوات المسلحة قناة السويس، وحطمت خط بارليف، ورفعت علم مصر عاليًا خفاقًا على الضفة الشرقية. لم يكن هذا النصر مجرد انتصار عسكري، بل كان انتصارًا للكرامة والحق.

ومن ثم بدأت مصر معركة سياسية لا تقل أهمية، قادها الرئيس محمد أنور السادات رحمه الله، وأثمرت عن توقيع اتفاقية السلام، ثم الانسحاب الإسرائيلي الكامل، ورفع العلم المصري على طابا في 25 أبريل 1982.

السيسي... من التحرير إلى التعمير
تسلم الرئيس عبد الفتاح السيسي الحكم في ظل تحديات كبرى، وكان من أولوياته "تنمية سيناء" باعتبارها قضية أمن قومي.
فأطلق مشروعًا قوميًا شاملًا لتنميتها، شمل البنية التحتية، والصناعة، والزراعة، والتعليم، والمياه، والإسكان، أبرزها:

أنفاق قناة السويس: التي تربط سيناء بالدلتا بشكل مباشر، وتُعد شرايين حياة جديدة لسيناء.

مدن جديدة: مثل مدينة الإسماعيلية الجديدة ومدينة رفح الجديدة.

مشروعات زراعية: أهمها مشروع "توشكى وسيناء"، لاستصلاح آلاف الأفدنة وربطها بشبكة الري.

القضاء على الإرهاب: عبر عمليات أمنية دقيقة أعادت السيطرة الكاملة للدولة على سيناء.

المجتمعات العمرانية: إنشاء آلاف الوحدات السكنية، والمدارس، والمستشفيات، وتوفير سبل الحياة الكريمة لأهالي سيناء.

المرافق والبنية التحتية: إنشاء محطات مياه وتحلية وكهرباء وطرق بطول مئات الكيلومترات.

قال السيسي: "سيناء لن تُترك مرة أخرى، ولن تكون خارج معادلة التنمية في مصر."

سيناء... الأرض المباركة
جاء في كتاب الله:
"وَنَادَيْنَاهُ مِن جَانِبِ الطُّورِ الأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا"
(مريم: 52)
وفي موضع آخر:
"فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى"
(طه: 12)
هكذا تحدث القرآن عن سيناء، أرض الوحي والتجلي، التي كلم الله فيها موسى عليه السلام، وباركها وجعلها مقدسة.

التحرير لا يكتمل إلا بالتنمية
قال النبي صلى الله عليه وسلم:
"إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها"
(رواه أحمد)
هذا الحديث الشريف يُعلّمنا أن البناء والعمل فريضة في كل وقت، حتى في أحلك الظروف. من هذا المنطلق، أدركت القيادة السياسية أن تحرير الأرض لا يُستكمل إلا بتحرير الإنسان من الفقر والتهميش، ومن هنا انطلقت مشروعات ضخمة لتنمية سيناء، وتوطين الحياة فيها، وجعلها بوابة للأمن والرخاء.

الشهداء لا يموتون
قال الله تعالى:
"وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ"
(آل عمران: 169)

هؤلاء الذين استشهدوا في سبيل الدفاع عن سيناء، هم أحياء في قلوبنا وضمائرنا وتاريخنا، نحمل أمانتهم، ونمضي على دربهم في البناء كما مضوا هم على درب الكفاح والتحرير.

في ذكرى التحرير... نتعهد بالوفاء
قال الرئيس الراحل أنور السادات:
"إن ما أخذ بالقوة لا يُسترد بغير القوة."
وقد استُعيدت سيناء بالقوة، ثم بالحكمة، 
واليوم تُبنى بالتنمية والإرادة.

في ذكرى تحرير سيناء، لا نحيي الماضي فحسب، بل نرسخ قيم الانتماء والعمل، ونذكّر أنفسنا أن الوطن لا تُصان حدوده إلا بدماء أبنائه، ولا تُحمى كرامته إلا بوحدته ووعيه.