رئيس مجلس الإدارة   
            د/ نبيلة سامى                   

                                               

          صحافة من أجل الوطن 

              (  مجلة مصر )

                             ( أحدث إصدارتنا)

الخميس 31 يوليو 2025 4:05 م توقيت القاهرة

دار الامتحان في الشهوات والفقر بقلم / محمـــد الدكـــروري

الحمد لله بيده مفاتيح الفرج، شرع الشرائع وأحكم الأحكام وما جعل علينا في الدين من حرج، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، قامت على وحدانيته البراهين والحجج، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبد الله ورسوله، هو المفدى بالقلوب والمهج، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ساروا على أقوم طريق وأعدل منهج، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليما كثيرا، ثم أما بعد إن الابتلاءات سنة ربانية إقتضتها حكمة الله سبحانه في هذه الدار، لتكون دارا للامتحان في الشهوات والفقر والمرض والخوف والنقص في الأموال والأنفس والثمرات كما يكون الإبتلاء بكثرة الأموال والأولاد والصحة حيث قال تعالى " ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون " وإن من جملة الإبتلاءات هي الأمراض حيث يبتلي الله تعالي بها من شاء من عباده.
واعلم أن الله سبحانه وتعالي لا يقضي شيئا كونا ولا شرعا إلا وفيه الخير والرحمة لعباده، وكما أن للأمراض والأسقام فوائد عظيمة وحكم بالغة لو تأملها المسلم حق التأمل لأدرك بيقين أن المرض نعمة ومنحة من الله تعالي ساقه إليه، فمن ثمرات المرض وحكمه أن الله تعالي يستخرج من المريض عبودية الضراء وهي الصبر، وهذا لا يتم إلا بأن يقلب الله الأحوال على العبد حتى يتبين صدق عبوديته لله تعالى، فالمريض يجب عليه أن يصبر ويحتسب على الله عز وجل الثواب الذي وعده سبحانه الصابرين، حيث قال الله عز وجل " إنما يوفي الصابرون اجرهم بغير حساب " وقال وهب بن منبه رحمه الله، لا يكون الرجل فقيها كامل الفقه حتى يعُدّ البلاء نعمة ويعد الرخاء مصيبة وذلك أن صاحب البلاء ينتظر الرخاء وصاحب الرخاء ينتظر البلاء.
فإذا اشتد به المرض فلا يتمنى الموت، حيث أنه مهما إشتد به المرض فلا يتمنى الموت لأن المسلم لا يزيده عمره إلا خيرا، وعلي المسلم أن يحسن الظن بربه في كل أحواله، وإياك أن تكون ممن قال الله فيهم " ولئن أذقنا الإنسان منا رحمة ثم نزعناها منه إنه ليؤس كفور " وأنه لابد للمريض أن يعتقد أن الشفاء بيد الله تعالى وحده، حيث قال تعالى عن إبراهيم عليه السلام " وإذا مرضت فهو يشفين " فينبغي للمريض إن يعلق قلبه بربه سبحانه، ومع ذلك يأخذ بالأسباب الشرعية في دفع ما نزل به من مرض، ومن النماذج في الصبر على المرض، هو البلاء العظيم عند نبي الله أيوب عليه السلام، فقد إبتلاه الله تعالي في أهله وماله وولده وجسده، ومع هذا كله كان يمسي ويصبح وهو يحمد الله ولم يشك حاله إلا إلى الله جل وعلا حتى ضربت به الأمثال في الصبر.
وبعد سنين من البلاء والمرض رفع يديه إلى الله بكل ذل وانكسار وقال " رب أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين " فجاء الجواب من الجواد الكريم " فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضر " وها هو عروة بن الزبير وهو من أفاضل التابعين وأخيار التابعين، كان له ولد اسمه محمد من أحسن الناس وجها، دخل على الوليد في ثياب جميلة، فقال الوليد هكذا تكون فتيان قريش، ولم يدعوا له بالبركة، فقالوا إنه أصابه بالعين، وخرج محمد هذا من المجلس فوقع في إصطبل للدواب فلا زالت الدواب تطؤه حتى مات، ثم مباشرة وقعت الآكلة في رجل عروة، وقالوا لا بد من نشرها بالمنشار وقطعها حتى لا تسري لأماكن الجسد فيهلك، فنشروها، فلما وصل المنشار إلى القصبة وهي وسط الساق وضع رأسه على الوسادة فغشي عليه، ثم أفاق والعرق يتحدّر من وجهه.
وهو يهلل ويكبّر ويذكر الله، فأخذها وجعل يقلبها ويقبلها في يده وقال " أما والذي حملني عليك، إنه ليعلم أنني ما مشيت بك إلى حرام ولا إلى معصية ولا إلى ما لا يرضي الله" ثم أمر بها فغسلت وطيبت وكفنت وأمر بها أن تقدم إلى المقبرة، ولما جاء من السفر بعد أن بترت رجله وفقد ولده قال لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا، ولما قالوا نسقيك شيئا يزيل عقلك؟ قال إنما إبتلاني ليرى صبري "

تصنيف المقال : 

إضافة تعليق جديد

CAPTCHA
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
2 + 3 =
Solve this simple math problem and enter the result. E.g. for 1+3, enter 4.