رئيس مجلس الإدارة   
            د/ نبيلة سامى                   

                                               

          صحافة من أجل الوطن 

              (  مجلة مصر )

                             ( أحدث إصدارتنا)

الاثنين 21 أبريل 2025 4:19 م توقيت القاهرة

شم النسيم عيد الربيع المصري العريق

بقلم د /سماح عزازي 

يعتبر شم النسيم من أقدم الأعياد في تاريخ مصر، وهو عيد يُحتفل به مع بداية فصل الربيع، ويعتبر من التقاليد الراسخة في الثقافة المصرية منذ العصور الفرعونية. هذا العيد يمتاز بتنوعه الرمزي، حيث يعكس ارتباط الشعب المصري العميق بالأرض والطبيعة، ويتضمن العديد من الطقوس التي تجسد قيم التجدد والنماء. وعلى الرغم من مروره بعصور مختلفة، إلا أن شم النسيم بقي متجذرًا في الذاكرة الجماعية للمصريين.

النشأة التاريخية:
تعود أصول شم النسيم إلى العصور الفرعونية، حيث كان يتم الاحتفال به في زمن المصريين القدماء. كان يُعرف عندهم باسم "شمو"، وهو مهرجان الربيع الذي يرمز إلى بداية الحياة الجديدة والتجدد، حيث كان يتزامن مع بداية موسم حصاد المحاصيل الزراعية.

في تلك الأيام، كان الاحتفال بمهرجان "شمو" مرتبطًا بالآلهة الفرعونية، وبالأخص الإله آمون إله الشمس والخلق، الذي كان يُحتفل به في هذا الوقت. كان المصريون القدماء يخرجون إلى الحقول والحدائق، يتناولون الطعام ويزينون بيوتهم بالأزهار، كجزء من طقوس الاحتفال بهذا الموسم الجميل.

تقاليد شم النسيم:
يستمر المصريون في الاحتفال بشم النسيم بنفس الطقوس الأساسية التي كانت تُمارس في العصور القديمة. من أبرز التقاليد التي تحافظ عليها الأجيال حتى اليوم:

1. الأطعمة التقليدية:
الفسيخ: الفسيخ هو السمك المملح ويُعد من الأطعمة الرئيسية في شم النسيم. يتم تحضيره غالبًا من السمك البوري ويتميز بمذاقه الخاص، مما يجعله رمزًا لهذا العيد.

الرنجة: مشابهة للفسيخ، لكنها أقل ملوحة، وتعتبر من الأطعمة الشائعة في هذا العيد.

البيض الملون: يعد تلوين البيض من أشهر تقاليد شم النسيم، حيث يرمز البيض إلى الخصوبة والتجدد، وهي واحدة من أقدم الرموز التي ارتبطت بهذا العيد منذ العصور الفرعونية.

البصل: يشتهر المصريون بتناول البصل، سواء كان طازجًا أو مخللاً، حيث يعتقدون أن البصل رمز للنمو والتجدد.

2. الخروج إلى الحدائق والمنتزهات:
منذ العصور القديمة، كان المصريون يخرجون إلى الحدائق والحقول للاحتفال بالعيد، حيث يستمتعون بالجو الربيعي المعتدل، وتناول الطعام في الهواء الطلق وسط الطبيعة. اليوم، يواصل المصريون تقليد الخروج إلى الأماكن المفتوحة في كل أنحاء مصر، خاصة في المنتزهات الكبرى والمتنزهات على ضفاف النيل.

3. التجمعات العائلية:
يعتبر شم النسيم مناسبة لتجمع العائلات في جو من الألفة والمحبة. حيث يُحتفل مع الأهل والأصدقاء، ويتبادلون التهاني ويتناولون الأطعمة المشتركة، ما يجعل هذا العيد فرصة لتقوية الروابط الأسرية.

4. الألعاب والأنشطة:
في بعض المناطق، قد يتضمن الاحتفال ألعابًا شعبية أو أنشطة جماعية، مثل الكوتشينة أو الشطرنج، أو حتى الأنشطة المائية إذا كانت الاحتفالات على ضفاف الأنهار.

شم النسيم في العصر الإسلامي والمسيحي:
رغم أن جذور شم النسيم تعود إلى العصر الفرعوني، إلا أن هذا العيد استمر في احتفاظه بمكانته في العصرين الإسلامي والمسيحي في مصر. في العصر المسيحي، أصبح شم النسيم مرتبطًا بعيد الفصح، حيث يحتفل الأقباط في هذا اليوم بتناول الأطعمة المشتركة في إطار ديني واحتفالي بعد انتهاء صيامهم.

أما في العصر الإسلامي، فقد استمر شم النسيم كعيد غير رسمي، إذ لم يرتبط بتشريع ديني، لكن ظل يُحتفل به في جميع أنحاء مصر باعتباره من العادات الاجتماعية المتجذرة.

رمزية شم النسيم:
إن شم النسيم لا يُعتبر مجرد عيد للطعام والاحتفالات، بل هو أيضًا فرصة للتأمل في العلاقة بين الإنسان والطبيعة. يمثل الربيع في مصر بداية جديدة، تجسد في طقوس شم النسيم أمل التجدد والنمو بعد فصل الشتاء البارد. البيض الملون، الفسيخ، والبصل، كلها رموز تحمل معاني عميقة عن الحياة، والتجدد، والخصوبة.

التطورات الحديثة:
في العصر الحديث، أصبح شم النسيم أحد أهم الأعياد الوطنية في مصر، حيث يتم الاحتفال به في المدن الكبرى والقرى على حد سواء. تغيرت بعض التقاليد مع مرور الزمن، وأصبح البعض يُفضل تناول الأطعمة بصورة صحية أكثر، مع توجه بعض الناس إلى تقليل تناول الأسماك المملحة لتفادي المشاكل الصحية مثل ارتفاع ضغط الدم.

كما أصبح شم النسيم مناسبة سياحية، حيث يتوافد السياح من مختلف أنحاء العالم للاستمتاع بالأجواء الطبيعية في مصر خلال هذا العيد، وتقديمه كإحدى التجارب الثقافية الفريدة التي يتمتع بها الزوار.

التأثير الثقافي:
يُعد شم النسيم من الأحداث التي تُظهر مدى تمسك المصريين بعاداتهم وتقاليدهم، فهو ليس فقط عيدًا موروثًا عبر الأجيال، بل هو جزء من الهوية الثقافية المصرية التي تجمع بين الجوانب الدينية والاجتماعية. حتى اليوم، لا يزال هذا العيد يمثل رمزًا للوحدة الوطنية والتراث الشعبي الذي يفتخر به الشعب المصري.

يبقى شم النسيم أحد أروع الأعياد في تاريخ مصر، فهو عيد يعبر عن علاقة المصريين بالطبيعة وحبهم للحياة والتجدد. ورغم مرور الزمن، استمرت هذه التقاليد في الحفاظ على مكانتها، ولا تزال تمثل أحد ألوان الاحتفال في الثقافة المصرية المعاصرة. يشكل هذا اليوم فرصة للتأمل في الحياة، والاحتفال بالربيع، كما يعزز التآلف بين العائلات والمجتمعات.

كل عام والمصريين بخير، وكل سنة وأنتم طيبين!

تصنيف المقال : 

إضافة تعليق جديد

CAPTCHA
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.