رئيس مجلس الإدارة   
            د/ نبيلة سامى                   

                                               

          صحافة من أجل الوطن 

              (  مجلة مصر )

                             ( أحدث إصدارتنا)

الجمعة 28 نوفمبر 2025 12:57 م توقيت القاهرة

قضاء رسول الله في عرايا النخل

بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله رب العالمين ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد بن عبد الله وعلى آله وأصحابه والتابعين، أما بعد روي عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن من قضاء رسول االله صلى الله عليه وسلم أنه قضى في عرايا النخل، وذلك أن تكون النخلة، أو النخلتان، أو الثلاثة بين النخل، فيختلفون في حقوق ذلك، فقضى أن لكل من تلك النخل مبلغ جريدها حيز لها، وكانت تسمى العرايا ويقول العباد في شرحه على السنن الحريم هو ما تستحقه النخلة من الأرض التي تكون حولها لصاحبها، بحيث يكون ما وراءها لا يملكه، فإذا كان له نخلة في أرض، فإنه لا يملك ما يشاء حول هذه النخلة، وإنما يملك ما يتخذ من الأرض تابعا لها، وذلك بأن يكون على مقدار عسيبها وجريدها، بأن تؤخذ جريدة منها ثم تجعل في ساقها.

وتمتد إلى نهاية تلك الجريدة، فيكون ذلك الحد مستديرا من جميع الجهات، وهذا هو حريم النخلة، أي يكون تابعا لها، والذي يملك النخل يملك هذه الأرض التي بهذا المقدار، وقال أبو جعفر الطحاوي بعد أن ساق الحديث في المشكل فوجه ما في الحديث عندنا، والله أعلم، هو في النخلة، أو النخلتين، أو الثلاث تكون بين نخل الرجل، فيختلف هو وصاحب النخل في حقوق ما لكل واحد منهما من النخل، فيكون الذي لصاحب النخلة، أو النخلتين، أو الثلاث ما لا يقوم الذي له من ذلك إلا به، فهذا وجه هذا الحديث عندنا، والله أعلم، وقال الحجاوي في الإقناع وفي النخل مد جريدها وأرض لزرع ما يحتاجه لسقيها وربط دوابها وطرح سبخها ونحو ذلك، فإذا كان هذا فلا بئس بتوجيه المناسبة في الباب بأن المؤمن كذلك حافظ لعهد ربه تعالى في حدود ملكه وسلطانه. 

وأنه لا يتعدي ذلك إلى ملك أو سلطان غيره، فهو أبعد الناس عن البغي والتعدي على حقوق جاره، وأنه كذلك محكوم بالضوابط الشرعية مع المحيطين به، لا يدخل بيت غيره إلا بإذنه، ولا يطلع على عورات غيره، ولا يترك لبصره العنان، فتجده حيث أمره الله، وتفتقده حيث نهاه، ويتقي فيذلك ربه تعالى حيثما كان، ومن عجيب هذا الشريعة الربانية الغراء عنايتها بحقوق الشجر في غير السقى والشذب والتلقيح، فجعل لها حريما مقدرا من بحيث يفصل بينها وبين جارتها، ويقول بعض المتخصصين في الوقت نفسه لا تنمو جيدا أي النخلة حين تقل المسافة بينها وبين النخلة الأخرى عن خمسة أمتار، بحيث لا يسقط ظل نخلة على ظل نخلة أخرى، وهذا ثابت من مئات السنين، فهذا ابن غانم يسأل الإمام مالك رحمة الله على الجميع، عن حريم النخلة، فقال قدر ما يرى أن فيه مصلحتها. 

ويترك ما أضر بها ويسأل عن ذلك أهل العلم به، وقد قالوا من اثني عشر ذراعا من نواحيها كلها إلى عشرة أذرع وذلك حسن، ويسأل عن الكرم أيضا وعن كل شجرة أهل العلم به فيكون لكل شجرة بقدر مصلحتها، وقال ابن عمر رضي الله عنهما في الحديث فقال لأن تكون قلتها أحب إلي من أن يكون لي كذا وكذا" وقال الشيخ الحوينى عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما استحيا ابنه عبد الله بن عمر عن أن يقول هذا في حضرة النبي عليه الصلاة والسلام، تمنى أن يقولها ويخسر الدنيا كلها، فانظر إلى حقارة الدنيا، هي في نظر عمر رضي الله عنه لا تساوي إجابة مسألة أمام النبي صلى الله عليه وسلم، ولو خير عمر رضي الله عنه بين أن تكون الدنيا جميعا في كفه، وبين أن يجيب عبد الله بن عمر أمام النبي صلى الله عليه وسلم فيدعو له بالبركة أو يثني عليه في كفة.

لاختار أن يجيب إبنه، لأن الصحابة كانت حياتهم كلها إيمانية، وأعينهم دائما تطل على الآخرة، ليس عندهم النظر الموجود عند المسلمين الآن، وقال ابن حجر وفيه الإشارة إلى حقارة الدنيا في عين عمر لأنه قابل فهم ابنه لمسألة واحدة بحمر النعم مع عظم مقدارها وغلاء ثمنها.

تصنيف المقال : 

إضافة تعليق جديد

CAPTCHA
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
8 + 2 =
Solve this simple math problem and enter the result. E.g. for 1+3, enter 4.