
يوسف حسن يكتب -
تُظهر التطورات الأخيرة المتعلقة بوقف إطلاق النار في قطاع غزة أنّ هذا الاتفاق تحوّل من خطوة نحو التهدئة إلى أداة تكتيكية توظّفها الأطراف المختلفة لتحقيق مكاسب ميدانية وسياسية. فعلى الرغم من قبول وقف إطلاق النار في 18 مهر/أكتوبر وبدء تنفيذه في اليوم التالي، لم ينسحب الجيش الإسرائيلي سوى إلى الخطوط الصفراء المحددة في خرائط الاتفاق، وهو ما أبقى نحو 52% من مساحة القطاع تحت السيطرة الإسرائيلية. وكان من المقرر إنهاء المرحلة الأولى خلال ثلاثة أيام والشروع في بحث نزع السلاح والانسحابات اللاحقة، غير أنّ هذا المسار تعرّض لتأخير كبير، حتى إنّ محللين إسرائيليين يعترفون بأنّ حركة حماس استطاعت إدارة الزمن لصالحها وإطالة المرحلة الأولى إلى أكثر من ثلاثة أسابيع.
ملف الأسرى والجثامين
سلّمت حماس حتى الآن 20 أسيراً حياً و20 جثماناً، بينما أعاد الاحتلال نحو 1970 أسيراً فلسطينياً و270 جثماناً، بينها عشرات الجثامين التي بات التعرف عليها متعذراً نتيجة التعذيب أو الظروف السيئة للاحتجاز. وقد استغلّ الاحتلال تأخر تسليم بعض الجثامين – الناتج عن دمار واسع ودفن العديد منهم تحت الركام – لتوجيه اتهامات بخرق الاتفاق، واتخذ ذلك ذريعة لمواصلة الهجمات التي أسفرت حتى الآن عن أكثر من 240 شهيداً ومئات الجرحى.
الوضع الاجتماعي والإنساني في غزة
في الوقت الذي شهدت فيه اتفاقات التهدئة السابقة عودة نحو مليون نازح إلى منازلهم، فإنّ حجم العودة إلى شمال غزة في الهدنة الحالية محدود للغاية بسبب الدمار شبه الكامل للبنى التحتية وغياب الخدمات الأساسية. لم يتمكن سوى حوالي 200 ألف شخص من العودة، بينما يستمر الاحتلال في سياسة منع عودة السكان إلى الشمال بهدف تغيير الواقع الديمغرافي للمنطقة. كما يواصل الجيش الإسرائيلي عمليات الهدم داخل المناطق الواقعة ضمن السيطرة الإسرائيلية في الخط الأصفر.
انهيار الوضع الإنساني
تؤكد المنظمات الدولية حاجة غزة إلى دخول ألف شاحنة مساعدات يومياً، لكن ما يدخل فعلياً لا يتجاوز 135 شاحنة فقط، أي حوالي 20% من الكمية المتفق عليها. نصف المواد الداخلة ذات طابع تجاري وتباع بأسعار باهظة لا يقدر معظم السكان على اقتنائها. إغلاق معبر رفح ومنع خروج المرضى وندرة الوقود والدواء كلها عوامل تضع جنوب غزة وشمالها على حافة الانهيار الإنساني. فقد وصل سعر بيضة واحدة إلى ستة دولارات، في مؤشر صارخ على الأزمة الاقتصادية الخانقة.
المعادلات السياسية في الضفة والأراضي المحتلة
صوّت الكنيست على المرحلة التمهيدية لمشروع فرض السيادة على الضفة الغربية، ما يؤشر إلى تسارع مشروع الضم. ورغم أنّ نتنياهو يعارض التوقيت لكنه يوافق على المبدأ، بينما يدفع اليمين المتطرف نحو استمرار الحرب وتعميق الاحتلال. اللافت أنّ شعبية نتنياهو وحزب الليكود ارتفعت بعد الهدنة، رغم استمرار الاحتجاجات الداخلية المتعلقة بالخدمة العسكرية والوضع الاقتصادي والأزمات السياسية.
السيناريوهات المحتملة
1. تجميد تنفيذ الاتفاق عند المرحلة الأولى، والعودة إلى نموذج “تهدئة هشة” تتخللها اغتيالات وهجمات محدودة.
2. انسحاب تكتيكي إسرائيلي نحو الحدود مع التركيز على السيطرة الأمنية على الممرات والكوريدورات.
3. تقسيم غزة إلى شرق وغرب، بحيث تُدار المنطقة الشرقية من قبل قوات دولية/إسرائيلية والغربية تحت سيطرة حماس، وهو طرح غير واقعي ويهدف إلى هندسة سياسية مفروضة.
4. فشل مسار القوة الدولية والعودة إلى مواجهة واسعة، وهو الخيار الذي تفضّله أجنحة اليمين المتطرف في إسرائيل.
المقاومة ومعادلة الصراع
رغم الخسائر الكبيرة، أعادت عملية 7 أكتوبر القضية الفلسطينية إلى الواجهة الدولية ومنعت مشروع تمييعها. فالمقاومة ليست مجرد بنية عسكرية، بل فكرة راسخة ما دام الاحتلال قائماً. وعلى الجانب الآخر، يواصل الكيان الإسرائيلي ممارسة الإرهاب المنظم والتوسع والاعتداء على دول المنطقة، بصفته أداة بيد القوى الغربية لإبقاء المنطقة في حالة عدم استقرار.
موقف إيران وآفاق الحل السياسي
ترحّب الجمهورية الإسلامية الإيرانية بأي مبادرة تضمن حقوق الشعب الفلسطيني، بما في ذلك وقف إطلاق النار الدائم، خروج قوات الاحتلال، إطلاق الأسرى، دخول المساعدات وإعادة إعمار غزة. ويظلّ حق تقرير المصير للفلسطينيين الأساس لأي حلّ، على أن تُدار غزة والضفة دون أي تدخل خارجي وضمن توافق وطني فلسطيني.
كما يجب ألا يكون وقف إطلاق النار سبباً لإغلاق ملفات الجرائم الإسرائيلية في المحافل الدولية. إنّ إفلات إسرائيل من العقاب، وإقرار قوانين عنصرية مثل إعدام الأسرى وضم الضفة، يحمّل المجتمع الدولي مسؤولية مضاعفة للضغط السياسي والقانوني على هذا الكيان الذي يهدد الأمن الإقليمي والدولي.
إضافة تعليق جديد