بقلم / محمـــــد الدكـــــرورى
يوم الجمعه هو يوم عظيم ويوم طيب مبارك وإنَّ مِن دلائل عِظَم يوم الجمعة وكبير فضله أنَّ فيه ساعة إجابة، حيث ثبت عن أمين الوحى جبريل عليه السلام أنَّه قال للنبي صلى الله عليه وسلم " هَذِهِ الْجُمُعَةُ فِيهَا سَاعَةٌ لَا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ يَسْأَلُ اللَّهَ فِيهَا خَيْرًا إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ ".
وهذه الساعة عند أكثر العلماء، وفي أكثر الأحاديث، هي آخِر ساعة بعد العصر، لِمَا ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: " يَوْمُ الْجُمُعَةِ اثْنَتَا عَشْرَةَ سَاعَةً، فِيهَا سَاعَةٌ لَا يُوجَدُ عَبْدٌ مُسْلِمٌ يَسْأَلُ اللهَ شَيْئًا إِلَّا آتَاهُ إِيَّاهُ، فَالْتَمِسُوهَا آخِرَ سَاعَةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ ".
فاحرصوا على أنْ تُشغلوا أنفسكم في هذه الساعة بدعاء الله عزَّ وجلَّ وذِكره، واستغفاره، لعلكم تُرحمون ، وإن ليوم الجمعه آداب وسنن يجب علينا أن نقتديها وأن نتبعها وإن مِن سُنن الجمعة المؤكَّدة عند سائر الفقهاء .
الاغتسال للجمعة، وأنْ يكون الاغتسال لها على صفة غُسل الجنابة، حيث صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: " إِذَا أَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْتِيَ الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ ".
ويبدأ أوَّل وقته بطلوع الفجر، وأفضله قبل خروج الرَّجل مِن بيته لشهود صلاة الجمعة، واتفق العلماء على أنَّ مَن اغتسل بعد صلاة الجمعة فليس بمغتسل للجمعة ولا للسُّنة
ومَن لم يتيسَّر له الاغتسال للجمعة فليُحسن الوضوء لها ويُسبِغه، لِمَا صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: " مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ، ثُمَّ أَتَى الْجُمُعَةَ، فَاسْتَمَعَ وَأَنْصَتَ، غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ، وَزِيَادَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ".
وغُسل الجمعة سُّنَّة في حق مَن شهد صلاة الجمعة مع الناس دون غيره، وبهذا قال أكثر العلماء، وقد ثبت عن ابن عمر رضي الله عنه أنَّه قال: " إِنَّمَا الغُسْلُ عَلَى مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الجُمُعَةُ " .
ومَن اجتمع في حقِّه غُسلان، غُسل الجنابة وغسل الجمعة، فله أنْ ينوي بغُسله الجنابة والجمعة معًا، حيث قال الحافظ ابن عبد البَرِّ المالكي رحمه الله ، وأجمعوا ، أي العلماء ، على أنَّ مَن اغتسل يَنوي الجنابة والجمعة جميعًا في وقت الرَّواح أنَّ ذلك يُجزئُه مِنهما جميعًا.
وكذلك التبكير إلى حضورها مِن أوَّل النهار، وأنْ يكون الإتيان إليها مشيًا على الأقدام، والجلوس بالقرب مِن الإمام، وقد ورَد في فضل ذلك مع الاغتسال لها أجْرٌ كبير جدًّا، فصحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: " مَنْ غَسَّلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاغْتَسَلَ، ثُمَّ بَكَّرَ وَابْتَكَرَ، وَمَشَى وَلَمْ يَرْكَبْ، وَدَنَا مِنَ الإِمَامِ، فَاسْتَمَعَ وَلَمْ يَلْغُ، كَانَ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ عَمَلُ سَنَةٍ أَجْرُ صِيَامِهَا وَقِيَامِهَا ".
وللأسف أنَّ كثيرًا مِن الناس إنْ لم يكن أكثرهم يتأخرون عن الجمعة فما يأتون إلا بعد صعود الخطيب المنبر، فيَحرِمون أنفسهم مِن أجْر التبكير العظيم، ويأثمون على تأخرهم، لأن حضور الخطبة واجب، وتفوتهم الكتابة في الصُّحف، إذ صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: " إِذَا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ كَانَ عَلَى كُلِّ بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْمَسْجِدِ مَلَائِكَةٌ يَكْتُبُونَ الْأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ، فَإِذَا جَلَسَ الْإِمَامُ طَوَوُا الصُّحُفَ، وَجَاءُوا يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ، وَمَثَلُ الْمُهَجِّرِ كَمَثَلِ الَّذِي يُهْدِي الْبَدَنَةَ، ثُمَّ كَالَّذِي يُهْدِي بَقَرَةً، ثُمَّ كَالَّذِي يُهْدِي الْكَبْشَ، ثُمَّ كَالَّذِي يُهْدِي الدَّجَاجَةَ، ثُمَّ كَالَّذِي يُهْدِي الْبَيْضَةَ ".
وكذلك أنْ يُنظِّفَ العبد أسنَانه وفمَه عن الروائح الكريهة، بما تيسَّر مِن سِواك أو فُرشاة أسنان، وأنْ يلبسَ للجمعة مِن أحسن ثيابه وأنظفها، ويُطيِّبَ بدَنه وثيابه، وإذا أتى المسجد فلا يتخطى الرقاب، ويُشغلُ نفسه بِذكر الله تعالى، والصلاة ركعتين ركعتين ما قُدِّر له، لِمَا ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: " مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَاسْتَنَّ، وَمَسَّ مِنَ الطِّيبِ إِنْ كَانَ عِنْدَهُ، وَلَبِسَ مِنْ أَحْسَنِ ثِيَابِهِ، ثُمَّ جَاءَ إِلَى الْمَسْجِدِ، وَلَمْ يَتَخَطَّ رِقَابَ النَّاسِ، ثُمَّ رَكَعَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَرْكَعَ، ثُمَّ أَنْصَتَ إِذَا خَرَجَ إِمَامُهُ حَتَّى يُصَلِّيَ، كَانَتْ كَفَّارَةً لِمَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الَّتِي كَانَتْ قَبْلَهَا ".
وصحَّ عنه صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: " مَنِ اغْتَسَلَ ثُمَّ أَتَى الْجُمُعَةَ، فَصَلَّى مَا قُدِّرَ لَهُ، ثُمَّ أَنْصَتَ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ خُطْبَتِهِ، ثُمَّ يُصَلِّي مَعَهُ، غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى، وَفَضْلُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ " .
وأنْ لا يجلس القادم للجمعة إذا وصل المسجد حتى يُصلي ركعتين، ولو كان الإمام يخطب، لِمَا صحَّ عن عن جابر رضي الله عنه أنَّه قال: " دَخَلَ رَجُلٌ الْمَسْجِدَ وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَقَالَ: "أَصَلَّيْتَ؟ " قَالَ: لَا، قَالَ: " قُمْ فَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ" .
وأنْ يُصلَّى بعد الانتهاء مِنها سُنَّتها الراتبة في البيت وهو أفضل، أو في المسجد، ومَن شاء صلى ركعتين، أو أربع ركعات، أو سَتّ ركعات، حيث صحَّ عن ابن عمر رضي الله عنه أنَّه قال: " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي بَعْدَ الْجُمُعَةِ رَكْعَتَيْنِ فِي بَيْتِهِ "، وصحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: " إِذَا صَلَّيْتُمْ بَعْدَ الْجُمُعَةِ فَصَلُّوا أَرْبَعًا " .
وثبت عن علي بن أبي طالب وأبي موسى الأشعري وابن عمر رضي الله عنهم أنَّهم صلوا سِتَّ ركعات ، ومِن صلَّى السُّنة الراتبة للجمعة في المسجد فلا يُصلِّها حتى يتكلَّم أو يَخرج، لِمَا صحَّ عن معاوية رضي الله عنه أنَّه قال لرجل سلَّم الإمام مِن الجمعة فسلَّم معه ثم قام مباشرة لصلاة السُّنة الراتبة: " إِذَا صَلَّيْتَ الْجُمُعَةَ فَلَا تَصِلْهَا بِصَلَاةٍ حَتَّى تَكَلَّمَ أَوْ تَخْرُجَ، فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَنَا بِذَلِكَ: " أَنْ لَا تُوصَلَ صَلَاةٌ بِصَلَاةٍ حَتَّى نَتَكَلَّمَ أَوْ نَخْرُجَ" .
وإن تيسِّر للمرء أنْ يتحوَّل عن مكانه الذي صلَّى فيه الجمعة إلى مكان آخَر ليصلِّيَ فيه السُّنة الراتبة فهو أفضل، حيث صحَّ عن عطاء رحمه الله أنَّه قال: " رَأَيْتُ ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنه صَلَّى الْجُمُعَةَ، ثُمَّ تَنَحَّى مِنْ مَكَانِهِ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ فِيهِمَا خِفَّةٌ، ثُمَّ تَنَحَّى مِنْ مَكَانِهِ ذَلِكَ فَصَلَّى أَرْبَعًا هِيَ أَطْوَلُ مِنْ تَيْنِكَ " .
وأنْ يَستقبل الناس الخطيب إذا شَرع في الخطبة بوجههم في أيِّ جهة كانوا، حيث ثبت عن الشَّعبي رحمه الله وهو مِن تلامذة الصحابة أنَّه قال: " مِنَ السُّنَّةِ أَنْ يُسْتَقْبَلَ الْإِمَامُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ".
والإكثار مِن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، لِمَا ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: " مِنْ أَفْضَلِ أَيَّامِكُمْ يَوْمُ الْجُمُعَةِ، فَأَكْثِرُوا عَلَيَّ مِنَ الصَّلَاةِ فِيهِ ".
وإذا ذَكر الخطيب النبي صلى الله عليه وسلم في أثناء الخطبة فلا يُصلِّي الناس عليه جهرًا، لا مُنفردين كل واحد لوحده، ولا متوافقين بصوت جماعي، لا عند الأئمة الأربعة، ولا عند غيرهم مِن الأئمة.
واختلفوا هل يُصلَّى عليه سِرَّا، فمِنهم مَن قال: إذا ذَكر الخطيب النبي صلى الله عليه وسلم فإنَّ المستمع يُصلِّي عليه في نفسه سِرًّا، للأحاديث العامة الواردة في الصلاة عليه عند ذِكْره، ولأنَّ الصلاة عليه دعاء، والدعاء السُّنة فيه الإسرار، ومِنهم مَن قال: إنَّه يَسكُت ولا يُصلِّي عليه، لأنَّ النبي صلى الله عليه وسلم .
وصحَّ عنه أنَّه قال: " إِذَا قُلْتَ لِصَاحِبِكَ يَوْمَ الجُمُعَةِ: أَنْصِتْ، وَالإِمَامُ يَخْطُبُ، فَقَدْ لَغَوْتَ "، فمنَعه صلى الله عليه وسلم مِن تَسكيت المتكلِّم أثناء الخطبة مع أنَّ تسكيتَه لَه أمْرٌ بمعروف ونَهيٌ عن مُنكر، وهو واجب، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم سُنَّة، والسُّنَّة أولى بالسكوت مِن الواجب.
وقراء ة سورة الكهف، لِمَا صحَّ عن أبي سعيدٍ الخُدْريِّ رضي الله عنه أنَّه قال " مَنْ قَرَأَ سُورَةَ الْكَهْفِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَضَاءَ لَهُ مِنَ النُّورِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ الْعَتِيقِ ".
وأنْ يتعاهد المَرء شاربَه وأظفارَه ونحوهما، لِمَا صحَّ عن نافع رحمه الله " أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ رضي الله عنه كَانَ يُقَلِّمُ أَظْفَارَهُ، وَيَقُصُّ شَارِبَهُ، فِي كُلِّ جُمُعَةٍ " .
وأنْ يُردِّد الخطيب والناس خلف المؤذن إذا أذَّن للجمعة، فيقولوا مثلما قال، لِمَا صحَّ عن أبي أُمَامَةَ بن سَهْل بن حُنَيْفٍ رضي الله عنه أنَّه قال: " سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ وَهُوَ جَالِسٌ عَلَى المِنْبَرِ، أَذَّنَ المُؤَذِّنُ، قَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، قَالَ مُعَاوِيَةُ: " اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ" ، قَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: " وَأَنَا" ، فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: " وَأَنَا"، فَلَمَّا أَنْ قَضَى التَّأْذِينَ .
قَالَ: " يَا أَيُّهَا النَّاسُ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى هَذَا المَجْلِسِ حِينَ أَذَّنَ المُؤَذِّنُ يَقُولُ مَا سَمِعْتُمْ مِنِّي مِنْ مَقَالَتِي
إضافة تعليق جديد