
الحمد لله أعظم للمتقين العاملين أجورهم، وشرح بالهدى والخيرات صدورهم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وفق عباده للطاعات وأعان، وأشهد أن نبينا محمدا عبد الله ورسوله خير من علّم أحكام الدين وأبان، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أهل الهدى والإيمان، وعلى التابعين لهم بإيمان وإحسان ما تعاقب الزمان، وسلم تسليما مزيد ثم أما بعد ذكرت المصادر الكثير عن قصيدة فلسفة الحياة للشاعر اللبناني إيليا أبو ماضي، وفي سياق رمزية لمعاني القصيدة ينتشي إيليا أبو ماضي بصفات العرب السمحاء ويحاول أن يوصل لنا رسالته قائلا إن مكانة الكريم في المجتمع مكانة سامقة نبيلة تبعث المحبة والإعلاء تجاهه لما يتحلى به من صفات الخلة التي تنعدم لدى الآخرين، إذ أن العادة السائدة، إذا رجعنا للأمثال والمقولات الشعبية توحي بالتقشف وجعل الأيدي مغلولة إلى الأعناق. لذلك تحتفي القصيدة التي نحن بصددها بالكرم في رمزيتها وبالإنسان الجواد، ويشير فيها إيليا إلى أهم صفات العرب إطلاقا الكرم، فيحتفي بصاحبه ومكانته داخل المحيط المجتمعي، لأن أفراده لا تكف عن محبته وإعلاء شأنه لما يتحلى به من خلة لا يتوافر عليها كل الناس، بسبب إدبار النفوس عن العادة النبيلة والصادقة في هذا الزمان، تلك التي تتطبع بالإملاق والتماوه عند الحاجة، فالجود ربما يفقر الإنسان ماديا لكنه يغنيه معنويا وخلقيا، والبخل أردأ الصفات البشرية، ويقول الشاعر المتنبي " علي قدر أهل العزم تأتي العزائم، وتأتي علي قدر الكرام المكارم، وتعظم في عين الصغير صغارها، وتصغر في عين العظيم العظائم " وتوحي أبيات المتنبئ كما قصيدة الكريم أن الأنفس تضن بالنفيس، وتذكر بحكمة جميلة أن من حاز صفة الجود فهو لا ينتمي إلى عوام الخلق. إذ تنصرف روحه الوضيئة النبيلة إلى البذل والعطاء فترتقي بذلك إلى أعلى الدرجات، وهو إرتقاء النفوس إلى درجة الكمال والكمال لله، ولذلك يكنّ له البشر معظمهم محبة وود ويستبشرون ويهشون ويبشون لرؤيته، كما لو كان شمسا تنبلج في دوامس المجتمع وأرجائه الحالكة، ويكتب محمد بدوي مصطفى عن الشاعر إيليل أبو ماضي فيقول تربى إيليا أبو ماضي في كنف أسرة مسيحية متدينة زاهدة وبسيطة والتحق في قريته المحيدثة بمدرسة إبتدائية واقعة بجوار كنيسة حيث قداس وخلوة إلى الرب، وهاجر بسبب الفقر الذي عمّ لبنان في أوائل القرن العشرين، وسكن بمصر في عام ألف وتسعمائة واثنين ميلادي، وعمل بتجارة التبغ مع عمه وشاءت الأقدار أن يلتقي في القاهرة بحفنة من الأدباء والشعراء من بينهم أنطوان جميل، صاحب مجلة "الزهور" وأعجب هذا الأخير بذكاء الشاعر إيليا الثاقب، بخلقه الرفيع وأدبه الجم لدرجة أنه لم يتردد البتة في دعوته لمشاركته له ككاتب بالمجلة، ورأت أولى قصائده بمجلة الزهور النور وذاع صيتها وإنتشرت بسرعة مذهلة حتى صبّ كل هذه الأشعار فيما بعد في بوتقة ديوانه "تذكار الماضي" الذي تم نشره في عام ألف وتسعمائة وإحدي عشر ميلادي، عن المطبعة المصرية وكان شاعرنا حينئذ ابن اثنين وعشرين سنه، وحتمت هذه الفترة التاريخية على الشاعر فضلا عن دوافع وطنيته أن يتجه إلى مناهضة الظلم والإستبداد، فبدأ يكتب في السياسة لا يخشى في الله لومة لائم مما سبب له عراقيل دعت إلى مطاردته سياسيا، فاضطر في عام ألف وتسعمائة وإثني عشر ميلادي، أن يغادر أم الدنيا مهاجرا بإتجاه الولايات المتحدة الأمريكية، وجعل من أوهايو مسقط رأسه الجديد وأقام بها أربعة أعوام وإمتهن التجارة مع أحد أشقائه. ومن هناك شد الرحال منتقلا إلى مدينة الجنون نيويورك وسكن بحي بروكلين وغدت مسكنه الأخير وهناك شرع في تأسيس الرابطة القلمية مع جبران ونعيمة، ومن الدوريات الهامة التي كان لها أعظم الأثر في توثيق أقلام شعراء المهجر كانت مجلة "السمير" التي أسسها أيليا أبو ماضي نفسه وهي تعتبر مصدرا أوليّا لأدب المهجر، وخصوصا أدباء المهجر الشمالي، وإستمر يصدرها إلى أن وافته المنيّة في الثالث والعشرين من شعر نوفمبر عام ألف وتسعمائة وسبعة وخمسون ميلادي، ودواوين إيليا أبي ماضي هو الخمائل، وتبر وتراب، والجداول، وديوان وإيليا أبو ماضي، وتذكار من الماضي.
إضافة تعليق جديد