محمد سعيد أبوالنصر
عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " بني الإسلام على خمس : شهادة أن لا إله إلّا الله، وأنّ محمّدا عبده ورسوله , وإقام الصلاة، وصيام رمضان، وإيتاء الزّكاة، وحجّ البيت "
الإسلام منهج رباني عظيم، جاء لإخراج الناس من ظلمات الكفر والجهل إلى نور الإيمان والعلم، ولا بدّ لهذا المنهج الذي جاء لتحقيق هذه الأهداف السامية من أسس وأركان يرتكز عليها ويقوم بها؛ حتى يكون الإنسان عبدا لله حقا، وهذه المبادئ هي أركان الإسلام، وعدم الالتزام بأحد هذه الأركان يعتبر خطرا عظيما على الدين والعقيدة وصحّة الإسلام؛ وفي تمامها تمام الإيمان، وفي نقصها هدم لقواعد الدين الإسلاميّ، فالركن هو الأساس، ولا بدّ أن يكون الأساس قويّا وإلا سقط البناء كلّه.
حقيقة الركن
الركن لغة: ركن إلى الشيء أي مال إليه وسكن، واطمأنّ إليه .
وأمّا أركان الإسلام فهي القواعد والأسس الرئيسيّة التي يقوم عليها الإسلام ولا يستقيم دونها أو بفقدان أحدها.
أركان الإسلام الخمسة
للإسلام خمسة أركان تعد بحق أركانا وأسسا وقواعد يقوم عليها المنهج الإسلاميّ القويم، وقد ذكرها المصطفى -عليه الصّلاة والسّلام- في الحديث النبوي الشريف الذي صدرت به كلامي والذي يرويه الصحابيّ الجليل "ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " بني الإسلام على خمس : شهادة أن لا إله إلّا الله، وأنّ محمّدا عبده ورسوله , وإقام الصلاة، وصيام رمضان، وإيتاء الزّكاة، وحجّ البيت "
وقوله (بني الإسلام على خمس) أي: على خمس دعائم. , والشهادة هي ، الأسّ والأصل، والأركان تبع وتكملة.
( الركن الأول من أركان الإسلام : شهادة أن لا إله إلّا الله، وأنّ محمّدا عبده ورسوله )
معنى الشهادتين
الشهادتين (أن يشهد المسلم بشهادتي الإسلام قائلا: (أشهد أن لا إله إلّا الله وأشهد أنّ محمّدا رسول الله))، أما معنى قول: (لا إله إلّا الله): أي أنّه لا معبود يُعبد بحقّ في الوجود إلا الله -تبارك وتعالى- وحده، وأنّه لا شريك له في ملكه فهو واحد في ذاته واحد في صفاته واحد في أفعاله .
وأن الله وحده هو المستحق للعبادة دون سواه كما قال سبحانه : ( بديع السماوات والأرض أنى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة وخلق كل شيء وهو بكل شيء عليم ، ذلكم الله ربكم لا إله إلا الله هو خالق كل شيء فاعبدوه وهو على كل شيء وكيل ) الأنعام/101-102.
و معنى قول: (محمّد رسول الله ) أن محمّدا هو عبد الله ورسوله وخاتم الأنبياء والمرسلين. فالله أرسل رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم وأنزل عليه القرآن وأمره بإبلاغ هذا الدين إلى الناس كافة ويعتقد أن محبة الله ورسوله وطاعتهما واجبة على كل أحد ولا تتحقق محبة الله إلا بمتابعة رسوله صلى الله عليه وسلم : ( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم ) آل عمران /31.
( الركن الثاني : إقامة الصّلاة)
ومعنى إقامة الصلاة :أن يعتقد الإنسان اعتقادا جازما أنّ الله قد أوجب وفرض على كلّ مسلم بالغ عاقل أهل للتكليف خمس صلوات مفروضة في اليوم واللّيلة، وعلى المسلم أن يؤدّي الصّلوات الخمس المفروضة حسب وقتها وهيئتها وكيّفيتها، والصلوات المفروضة في اليوم والليلة :هي الفجر والظهر والعصر والمغرب والعشاء وهناك صلوات مسنونة كقيام الليل ، وصلاة التراويح . وركعتي الضحى وغيرها من السنن .
وقيل :المراد بإقام الصّلاة: المداومة عليها , أو مطلق الإتيان بها،
والصلاة فرضا كانت أو نفلا تمثّل صدق وصحة التّوجّه إلى الله تبارك وتعالى وحده لا شريك له في الأمور جميعها، مع صدق التوكّل عليه، وصدق اللّجوء إليه
وقد أمر الله المؤمنين كافة بالمحافظة عليها جماعة بقوله تعالى : ( حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين ) البقرة/238
فالصلّاة عمود الدّين الإسلاميّ، وأوّل ما يحاسب عليه العبد المسلم يوم القيامة الصّلاة، فإن صلحت صلح سائر العمل والعبادة، وهي الصلة بين العبد وربّه .
ولاحظ في الإسلام لمن ترك الصلاة قال سبحانه : ( منيبين إليه واتقوه وأقيموا الصلاة ولا تكونوا من المشركين ) الروم /31 .
والصلاة عون للعبد على الشدائد والكربات قال تعالى : ( واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين ) البقرة/45 .
والصلوات الخمس تمحو الخطايا كما قال عليه الصلاة والسلام : ( أرأيتم لو أن نهرا بباب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات هل يبقى من درنه شيء ؟ قالوا لا يبقى من درنه شيء . قال فذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بهن الخطايا ) رواه مسلم
والصلاة في المسجد سبب لدخول الجنة قال عليه الصلاة والسلام من غدا إلى المسجد أو راح أعد الله له في الجنة نزلا كلما غدا أو راح ) . رواه مسلم.
( الركن الثالث : إيتاء الزّكاة )
المراد بإيتاء الزّكاة: إخراج جزء من المال على وجه مخصوص.
فالزّكاة ركن من أركان الإسلام الخمسة، وهي حقّ واجب في المال بشرط أن يكون قد بلغ النّصاب الشرعيّ المحدّد، وحال عليه الحول(أي مر عليه عام ).وتوافرت فيه شروط الإخراج .كأن يكون قابلا للنمو والزيادة كالذّهب والفضّة اللذان يعرفان بالنقدين، والزروع والثمار، وعروض التجارة، والأنعام.
والزكاة تطهر المال وتنميه وتزكي النفوس من الشح والبخل وتقوي المحبة بين الأغنياء والفقراء فيزول الحقد ويسود الأمن وتسعد الأمة .
أمّا مصارف الزّكاة فهي ثمانية مصارف؛ وقد بيّنها الله تبارك وتعالى بالنص عليها في القرآن الكريم بقوله: (إنّما الصّدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلّفة قلوبهم وفي الرّقاب والغارمين وفي سبيل اللّه وابن السّبيل ۖ فريضة مّن اللّه ۗ واللّه عليم حكيم)، فلا يجوز صرفها إلا فيما ذكر الله فمن أخرج الزّكاة في غير هذه المصارف فلا يصح إخراجه .وعليه أن يخرج زكاة ماله في مصرفها الصحيحة ، وإلا أصبحت ذمته مطالبة بأداء هذا المال.
ومنع الزكاة يجلب المصائب والشرور للأمة وقد توعد الله من منعها بالعذاب الأليم يوم القيامة فقال عز وجل : ( والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم - يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون ) التوبة /34-35.
وإخفاء الزكاة أفضل من إظهارها أمام الناس كما قال تعالى : ( إن تبدوا الصدقات فنعمّا هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم ويكفر عنكم من سيئاتكم والله بما تعملون خبير ) البقرة / 271
( الركن الرابع : صيام رمضان)
الصيام هو الإمساك عن المفطرات من الأكل والشرب والجماع من طلوع الفجر الصادق إلى غروب الشمس بنية الصوم ؛ بقصد التقرّب إلى الله وطاعته، والتزام أمره سبحانه وتعالى.
وقد أوجب الله صيام شهر رمضان على كل مسلم بالغ عاقل من ذكر وأنثى كما قال سبحانه : ( شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه , ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام آخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون ) البقرة/185
والصوم ثوابه عظيم عند الله قال عليه الصلاة والسلام : ( كل عمل ابن آدم يضاعف , الحسنة بعشر أمثالها , إلى سبعمائة ضعف قال الله عز وجل إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به , يدع شهوته , وطعامه من أجلي ) رواه مسلم , الصيام .
( الركن الخامس: الحجّ)
قوله " وحجّ البيت " عرّف العلماء الحج بأنه (قصد بيت الله تعالى بصفة مخصوصة، في وقت مخصوص، بشرائط وأركان وفروع مخصوصة)
قال تعالى: (ولله على النّاس حجّ البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإنّ الله غنيّ عن العالمين)، فالله أوجب على كل مسلم بالغ عاقل قادر أن يزور بيته العتيق , ويطوف به , ويؤدي مناسك الحج كما بينها الله ورسوله .
فالحجّ من أركان الإسلام الخمسة فرضه الله تبارك وتعالى على المسلمين مرّة واحدة في حياة الإنسان ، بشرط القدرة الصحيّة والماليّة، وأن يكون الطّريق إلى الحجّ آمنا .
وللحج آداب وشروط يجب أن يعمل بها المسلم كحفظ اللسان والسمع والبصر عما حرم الله وإخلاص النية وطيب النفقة , والتحلي بمكارم الأخلاق والابتعاد عن كل ما يفسد الحج من الرفث والفسوق والجدل كما قال سبحانه : ( الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج وما تفعلوا من خير يعلمه الله وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقون يا أولي الألباب ) البقرة /197.
والحج إذا قام به المسلم على الوجه الشرعي الصحيح , وكان خالصا لله كان كفارة لذنوبه قال عليه الصلاة والسلام : ( من حج لله فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه ) رواه البخاري برقم "وإن قيل لم يذكر الجهاد في الحديث ،الجواب : لأنّه فرض كفاية , ولا يتعيّن إلّا في بعض الأحوال، ولهذا جعله ابن عمر جواب السّائل، وزاد في رواية عبد الرّزّاق في آخره: " وإنّ الجهاد من العمل الحسن ".
وإن قيل: لم يذكر الإيمان بالأنبياء والملائكة وغير ذلك ممّا تضمّنه سؤال جبريل عليه السّلام.
أجيب: بأنّ المراد بالشّهادة تصديق الرّسول فيما جاء به، فيستلزم جميع ما ذكر من المعتقدات. وللحديث بقية
إضافة تعليق جديد