رئيس مجلس الإدارة   
            د/ نبيلة سامى                   

                                               

          صحافة من أجل الوطن 

              (  مجلة مصر )

                             ( أحدث إصدارتنا)

الأحد 23 فبراير 2025 1:05 ص توقيت القاهرة

أسرع الذنوب عقوبة كفر المعروف.. بقلم / محمـــد الدكـــروري

إن الحمد لله شارح صدور المؤمنين، فانقادوا إلى طاعته وحسن عبادته، والحمد له أن حبب إلينا الإيمان، وزينه في قلوبنا، يا ربنا نشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت، ونشهد أن محمدا عبد الله ورسوله، وصلى اللهم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين أجمعين، أما بعد يوجه النبي المصطفي صلى الله عليه وسلم أمته إلى الإقرار بالجميل وشكر من أسداه، بل والدعاء له حتى يعلم أنه قد كافأه، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من إستعاذ بالله فأعيذوه، ومن سألكم بالله فأعطوه، ومن دعاكم فأجيبوه، ومن أتى عليكم معروفا فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا له حتى تعلموا أن قد كافأتموه " فإن نكران الجميل هو سبب العقوبة وزوال النعم، حيث قال الأصمعي رحمه الله سمعت أعرابيا يقول "أسرع الذنوب عقوبة كفر المعروف"
وذكر الإمام إبن الجوزي في كتابه " المنتظم " أن الخليفة العباسي المأمون بلغه أن رجلا يأتي كل يوم إلى قبور البرامكة فيبكي عليهم ويندبهم، فبعث من جاء به فدخل عليه وقد يئس من الحياة، فقال له ويحك ما يحملك على صنيعك هذا ؟ فقال يا أمير المؤمنين إنهم أسدوا إلي معروفا وخيرا كثيرا، فقال له الخليفة المأمون وما الذي أسدوه إليك ؟ فقال أنا المنذر بن المغيرة من أهل دمشق، كنت بدمشق في نعمة عظيمة واسعة، فزالت عني حتى أفضى بي الحال إلى أن بعت داري، ثم لم يبقي لي شئ، فأشار بعض أصحابي علي بقصد البرامكة ببغداد، فأتيت أهلي وتحملت بعيالي، فأتيت بغداد ومعي أكثر من عشرين امرأة فنزلنا في مسجد مهجور ثم قصدت مسجدا مأهولا أصلي فيه، فدخلت مسجدا فيه جماعة لم أري أحسن وجوها منهم، فجلست إليهم.
فجعلت أدبر في نفسي كلاما أطلب به منهم قوتا للعيال الذين معي، فيمنعني من ذلك السؤال الحياء، فبينما أنا كذلك إذا بخادم قد أقبل فدعاهم فقاموا كلهم وقمت معهم، فدخلوا دارا عظيمة، فإذا الوزير يحيى بن خالد جالس فيها فجلسوا حوله، فعقد عقد ابنته عائشة على ابن عم له ونثروا فلق المسك وبنادق العنبر، ثم جاء الخدم إلى كل واحد من الجماعة بصينية من فضة فيها ألف دينار، ومعها فتات المسك، فأخذها القوم ونهضوا وبقيت أنا جالسا، وبين يدي الصينية التي وضعوها لي، وأنا أهاب أن آخذها من عظمتها في نفسي، فقال لي بعض الحاضرين ألا تأخذها وتذهب ؟ فمددت يدي فأخذتها فأفرغت ذهبها في جيبي وأخذت الصينية تحت إبطي وقمت، وأنا خائف أن تؤخذ مني، فجعلت أتلفت والوزير ينظر إلي وأنا لا أشعر، فلما بلغت الستارة أمرهم فردوني.
فيئست من المال، فلما رجعت قال لي ما شأنك خائف ؟ فقصصت عليه خبري، فبكى ثم قال لأولاده خذوا هذا فضموه إليكم، فجاءني خادم فأخذ مني الصينية والذهب وأقمت عندهم عشرة أيام من ولد إلى ولد، وخاطري كله عند عيالي، ولا يمكنني الإنصراف، فلما إنقضت العشرة الأيام جاءني خادم فقال ألا تذهب إلى عيالك ؟ فقلت بلى والله، فقام يمشي أمامي ولم يعطني الذهب والصينية، فقلت يا ليت هذا كان قبل أن يؤخذ مني الصينية والذهب، يا ليت عيالي رأوا ذلك، فسار يمشي أمامي إلى دار لم أري أحسن منها، فدخلتها فإذا عيالي يتمرغون في الذهب والحرير فيها، وقد بعثوا إلى الدار مائة ألف درهم وعشرة آلاف دينار، وكتابا فيه تمليك الدار بما فيها، وكتابا آخر فيه تمليك قريتين جليلتين، فكنت مع البرامكة في أطيب عيش.
فلما أصيبوا أخذ مني عمرو بن مسعدة القريتين وألزمني بخراجهما، فكلما لحقتني فاقة قصدت دورهم وقبورهم فبكيت عليهم، فأمر الخليفة المأمون برد القريتين، فبكى الشيخ بكاء شديدا فقال المأمون مالك ؟ ألم استأنف بك جميلا ؟ قال بلى ولكن هو من بركة البرامكة، فقال له المأمون امضي مصاحبا فإن الوفاء مبارك، ومراعاة حسن العهد والصحبة من الإيمان.

تصنيف المقال : 

إضافة تعليق جديد

CAPTCHA
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.