رئيس مجلس الإدارة   
            د/ نبيلة سامى                   

                                               

          صحافة من أجل الوطن 

              (  مجلة مصر )

                             ( أحدث إصدارتنا)

السبت 5 يوليو 2025 3:06 ص توقيت القاهرة

أمك… ليست خصمك، بل أمانك الأبدي

بقلم د/سماح عزازي

في زحام الحياة، حين تتشابك الأصوات وتضيع الملامح وتتعدد الوجوه، تبقى هناك يد واحدة إن امتدت إليك، أعادتك إلى ذاتك، ومسحت عنك تعب العالم… يد أمك.

الأم ليست مجرد امرأة أنجبت، وليست فقط من ربت وعلّمت وسهرت واحتملت… الأم هي السطر الأول في كتاب حياتك، والظل الذي يحميك من وهج التجارب، والضوء الخافت الذي لا يخبو أبدًا مهما خذلتك المصابيح حولك.

 "الأم ليست صوتًا في الحياة… بل هي الحياة ذاتها حين يصمت الجميع."

نولد منها، ولا ندرك عمق ما منحتنا، إلا حين تجرّب الحياة أن تبتلعنا فنفلت منها بدعوة خرجت من صدرها، أو حضن احتمينا فيه دون وعي. وحدها الأم تستطيع أن تعطيك كل ما تملك دون أن تنتظر شيئًا، أن تراك تُخطئ فلا تكرهك، تُوجِعها فلا تُعاقبك، تُغلق أبوابك في وجهها… فتظل فاتحةً قلبها تنتظرك.

الأم ليست عدوك…
بل هي ظهرك، وسندك، ودليلك في رحلة العمر.

 "الأم لا تملك قاموس الرفض، بل قاموس الخوف… وكل (لا) منها، هي (نعم) لحمايتك."

حين تقول "لا تفعل"، لا تقولها لتفرض سلطانها، بل تقولها لأنها رأت ما لم تره بعد، وشربت من كؤوسٍ تظنها أنت عسلًا، بينما ذاقت هي مرارتها حتى الثمالة.

حين تحذرك من صداقة معينة، أو علاقة تراها بعينك مشرقة، فاعلم أن عينيها أوسع منك أفقًا، وأن قلبها ليس مصدرًا للغيرة، بل مخزونٌ من الخبرات المتراكمة والآلام المكتومة التي لا تريد لك أن تذوقها كما ذاقتها هي ذات عمر.

 "كل من في هذه الأرض قد يحبك بشروط… إلا أمك، تحبك كما أنت، بضعفك، بخطأك، بتقصيرك."

الأم لا تنافس ابنتها في الجمال، ولا تحسدها على النضارة، بل تراها مرآتها الأجمل. تتمنى لها حُسن الحياة، وبراح الطريق، وعُلو المكانة، ولو على حساب ذاتها. فالأم هي التي تحب أن ترى فيك نفسها، ولكن أجمل، أقوى، وأنجح، وأوفر حظًا.

 "كل النساء يُشبهْنَ الحب، إلا الأم… فهي وحدها الأصل، والباقي نسخ."

وعندما تعلو نبرتها، لا تظن أن في ذلك قسوة… بل هو صوت قلب موجوع، يرتجف خوفًا من ضياعك.

 "إذا قسَت عليك، فتذكّر: قلبها لا يعرف القسوة، بل يعرف الخوف، والحنين، والرغبة في إنقاذك من نفسك."

العصبية التي تظنها تحكمًا، هي في الحقيقة لهفة خائفة، ووجع مكتوم، خرج في صورة كلمات مرتجفة وغضب لا يملك إلا أن يتفجر.

"تظن أنك وحدك من يعاني؟… لكنها تدعو لك كل ليلة، وتتألم دون أن تخبرك، وتحترق في صمت."

الأم ليست خصمًا في معركة… بل هي آخر من يقف في صفك عندما ينفض الجميع. هي التي تراك في الليل باكية من خلف الأبواب المغلقة، فتدعو لك بحرقة دون أن تعلم، وتطلب لك السعة والفرج، وهي تمسح دموعها بكُمّ كرامتها.

هي الوحيدة التي تمنحك الحب بلا شرط، والخير بلا مقابل، والاحتواء دون سؤال. هي الوحيدة التي إذا أخطأتَ في حقها، تسامحك قبل أن تعتذر، وتنسى الوجع بمجرد أن تسمع صوتك ينادي: "يا أمي…"

 "الأم لا تتخلى، لا تتغير، لا تتراجع… هي الثابت الوحيد حين يخذلك الجميع."

لا تترك خلافًا عابرًا، ولا لحظة عناد، ولا كلمة قاسية خرجت في ساعة ضيق، أن تقطع بينك وبين أمك ذاك الحبل المقدس الذي لا يعوّض.

اعلم أن الزمن يمضي سريعًا، وأنك ستكبر، وستفهم، وربما ستندم… لكنك لن تجد قلبًا ينتظرك كما انتظرته أمك، ولا حضنًا يضُمك كما ضمّك حضنها.

ستُدرك لاحقًا أن كل المرات التي منعتك فيها من أصدقاء السوء، ومن علاقات فاشلة، ومن قرارات متهورة… كانت تحاول أن تهديك طريقًا أنقى، ولو على حساب حبك لها.

وستعلم حين تمر الليالي عليك وحدك، أنك لم تكن يومًا وحدك… بل كانت هناك امرأة تدعو لك بصمت، وتبكي حين تُجرَح، وتنتظر أن تعود، حتى لو أخبرتها الدنيا أنك لن تعود.

تمسّك بأمك… فهي الوطن حين تغترب، وهي الرفق حين تقسو الحياة، وهي الصلاة المستجابة دون سجود.

 "إذا أردت أن ترى الجنة، فاجلس عند قدمي أمك… فثمّ الجلال، وثمّ السلام."

اجعل من حبك لها يقينًا، ومن طاعتك لها شكرًا، ومن وجودها في حياتك نعمة لا تُنسى…
فأمك ليست عدوك، بل أمانك الأبدي.

تصنيف المقال : 

إضافة تعليق جديد

CAPTCHA
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
5 + 0 =
Solve this simple math problem and enter the result. E.g. for 1+3, enter 4.