بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيى ويميت، وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين حق قدره ومقداره العظيم أما بعد إن بر الوالدين بركة في العمر وسعة في الرزق، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " من سرّه أن يبسط عليه رزقه، أو ينسأ في أثره، فليصل رحمه " رواه مسلم، ومعني ينسأ أي يؤخَّر، ومعني أثره أي أجله، ومعني يبسط عليه رزقه، أي بسط الرزق وهو توسيعه وكثرته، وقيل البركة فيه، وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رجلا هاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من اليمن، فقال "هل لك أحد باليمن؟
" قال أبواي، قال " أذنا لك؟" قال لا، قال " ارجع إليهما فاستأذنهما، فإن أذنا لك فجاهد، وإلا فبرهما " رواه أبي داود، وعن جابر بن عبدالله أن رجلا قال يا رسول الله، إن لي مالا وولدا، وإن أبي يريد أن يجتاح أي يأخذ مالي، فقال " أنت ومالك لأبيك" رواه ابن ماجه، وقال الإمام الطحاوي رحمه الله قال فريق من العلماء ما كسب الابن من شيء فهو له خاصة دون أبيه، قول النبي صلى الله عليه وسلم هذا ليس على التمليك منه للأب كسب الابن، وإنما هو على أنه لا ينبغي للابن أن يخالف الأب في شيء من ذلك، وأن يجعل أمره فيه نافذا كأمره فيما يملك،ألا تراه يقول " أنت ومالك لأبيك" فلم يكن الابن مملوكا لأبيه بإضافة النبي صلى الله عليه وسلم إياه، فكذلك لا يكون مالكا لماله بإضافة النبي صلى الله عليه وسلم إليه، وقال الإمام النووي رحمه الله.
وأما التأخير في الأجل، ففيه سؤال مشهور، وهو أن الآجال والأرزاق مقدرة لا تزيد ولا تنقص، حيث قال الله تعالى " فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون " وأجاب العلماء بأجوبة كثير والصحيح منهان وهو أن هذه الزيادة بالبركة في عمره، والتوفيق للطاعات، وعمارة أوقاته بما ينفعه في الآخرة، وصيانتها عن الضياع في غير ذلك، وأنه بالنسبة إلى ما يظهر للملائكة في اللوح المحفوظ، ونحو ذلك، فيظهر لهم في اللوح أن عمره ستون سنة إلا أن يصل رحمه، فإن وصلها زيد له أربعون، وقد علم الله تعالى ما سيقع له من ذلك، وهو من معنى قوله تعالى " يمحو الله ما يشاء ويثبت " فبالنسبة إلى علم الله تعالى وما سبق قدره لا زيادة، بل هي مستحيلة، وبالنسبة إلى ما ظهر للمخلوقين يتصور الزيادة، وهو مراد الحديث، وأن المراد هو بقاء ذكره الجميل بعده.
فكأنه لم يمت، وقال الإمام ابن الجوزي رحمه الله غير خاف على عاقل لزوم حق المنعم، ولا منعم بعد الحق سبحانه على العبد كالوالدين، فقد حملت الأم بحمله أثقالا كثيرة، ولقيت وقت وضعه مزعجات مثيرة، وبالغت في تربيته وسهرت في مداراته، وأعرضت عن جميع شهواتها لمرادته، وقدمته على نفسها في كل حال، وقد ضم الوالد إلى تسببه في إيجاده ومحبته بعد وجوده وشفقته في تربيته الكسب له والإنفاق عليه، والعاقل يعرف حق المحسن ويجتهد في مكافأته، وجهل الإنسان بحقوق المنعم من أخس صفاته، فإذا أضاف إلى جحد الحق المقابلة بسوء الأدب، دل على خبث الطبع ولؤم الوضع وسوء المنقلب، وليعلم البار بالوالدين أنه مهما بالغ في برهما لم يفي بشكرهما، أقول ما تسمعون وأسأل الله أن يعيننا على إقام الصلاة وأن يتقبلها منا بقبول حسن إنه جواد كريم.
إضافة تعليق جديد