اليوم : الثلاثاء الموافق 15 أكتوبر 2024
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى صحابته الغر الميامين، وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، ثم أما بعد إن أول حرب خارجية يخوضها المسلمون وهي غزوة مؤتة، التي صمد فيها ثلاثة آلاف مقاتل مسلم أمام مائتي ألف من الروم والقبائل العربية الحليفة لهم ستة أيام كاملة، وفي اليوم السابع قام قائد الجيش خالد بن الوليد رضي الله عنه، بإنسحاب تكتيكي ناجح وبأقل الخسائر، وكان سبب غزوة مؤتة وهي أن شرحبيل بن عمرو الغساني، وكان يحكم بإسم الروم في الأردن، إعترض الحارث بن عمير الأزدي رضي الله عنه، الذي كان يحمل رسالة من النبي المصطفي صلي الله عليه وسلم إلى حاكم بصرى الشام يدعوه للإسلام فاعتقله وقيّده، ثم قتله صلبا، وقرر الرسول الكريم محمد صلي الله عليه وسلم بعد التشاور مع الصحابة معاقبة مرتكبي هذه الجريمة.
وإعطاء درس واضح للذين يقفون وراءها، وإفهامهم أن دماء المسلمين بعد الآن لن تكون رخيصة، والذي أدي إلي ذلك هو أن الغساسنة وهي قبيلة عربية نصرانية في شمال الجزيرة العربية، لم تلتزم بالأعراف الدبلوماسية التي كانت سائدة في هذا الوقت، والمتمثلة في عدم قتل الرسل الذين يحملون رسائل من ملك إلى آخر، فجهز رسول الله صلى الله عليه وسلم جيشا قوامه ثلاثة آلاف مقاتل، وهو أكبر جيش إسلامي حتى ذلك الحين، وأُسندت قيادته لزيد بن حارثة رضي الله عنه، وكانت وصية الرسول صلى الله عليه وسلم إذا قُتل زيد رضي الله عنه، أن يتولى القيادة جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه، ثم عبد الله بن رواحة رضي الله عنه، وأن خروج هذا الجيش كان إشارة للمسلمين بأن عليهم أن يواصلوا المشوار، وإشارة للدول المجاورة.
أن ثمة دولة ناشئة وليدة وتتمتع بقدر كبير جدا من العنفوان والإندفاع والإنضباط أيضا، وأن عليهم أن يؤمنوا بقوة هذه الدولة وكفاءتها، ويتعاملوا معها كأمر واقع، وتوجه هذا الجيش في مطلع السنة الثامنة من الهجرة إلى منطقة الكرك جنوبي الأردن، على بعد نحو مائة وثلاثون كيلو متر إلى الجنوب من العاصمة الأردنية عمّان، فكانت رحلتهم من العاصمة الأردنية عمان وعبر الطريق الصحراوي جنوبا بإتجاه محافظة الكرك، وتحديدا إلى منطقة مؤتة التي أصبحت حاليا قرية عامرة كبيرة، وقد عرفت منذ القدم من أيام الغساسنة وإشتهرت وجارتها مشارف بصناعة السيوف المشرفية، ولم يكن في حساب المسلمين لقاء مثل هذا الجيش الكبير في أرض بعيدة عنهم، لكن عبد الله بن رواحة رضي الله عنه، شجّع الناس، وحضّهم على القتال والشهادة واستقر الرأي على ذلك.
وفي مؤتة التقى الفريقان، وبدأ القتال المرير، إستشهد زيد رضي الله عنه، فإستلم القيادة جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه، وبعد إستشهاده إستلمها عبدالله بن رواحة رضي الله عنه، وعندما تولى القيادة خالد بن الوليد رضي الله عنه، أظهر مهارته ونبوغه في إنقاذ جيش المسلمين، من خلال مكيدة حربية، فقد أدار المعركة بقية يومه وفي الليل أمر مجموعة من المسلمين بأن يخرجوا إلى خلف الجبال ليعودوا فجرا مثيرين للغبار رافعين أصواتهم بالتكبير والتهليل، فيظن الروم بأن مددا قد أتى للمسلمين من المدينة، وقام بحيلة عسكرية فريدة من نوعها إذ غير الميمنة ميسرة والميسرة ميمنة والمقدمة مؤخرة والمؤخرة مقدمة، لتختلف الوجوه على الروم، ويدب الرعب في قلوبهم ظنا منهم أن مددا عظيما قد أتى للمسلمين، ثم فاجأهم خالد بن الوليد بالهجوم على قلب جيشهم.
وكاد يصل إلى قائدهم، وهنا رأى الروم أن جيش المسلمين ينتصر بالمدد الذي وصل إليهم، ثم فوجئوا بخالد بن الوليد ينسحب، فظنوا أنها خدعة منه، فلا يوجد جيش منتصر يقوم بالإنسحاب، لذلك لم يتقدموا وإلتزموا مواقعهم، فيما إنسحب خالد إنسحابا تكتيكيا منظما وعاد بجيشه سالما غانما إلى المدينة المنورة مخلفا ثلاثة عشر شهيدا فقط، بعد معركة دارت على أرض الأعداء إستمرت سبعة أيام.
إضافة تعليق جديد