رئيس مجلس الإدارة   
            د/ نبيلة سامى                   

                                               

          صحافة من أجل الوطن 

              (  مجلة مصر )

                             ( أحدث إصدارتنا)

الاثنين 30 يونيو 2025 6:30 م توقيت القاهرة

إنتهاء أسطورة البرامكة

 
بقلم / محمـــد الدكـــروري

الحمد لله الكريم الوهاب وهبنا نعمة الإيمان، والأمن في الأوطان، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، الرحيم الرحمن، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله سيد ولد عدنان المرسل بالقرآن إلى الثقلين الإنس والجان، صلى الله عليه وعلى آله وأزواجه وأصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد ذكرت المصادر التاريخية الكثير عن حادثة البرامكة في العصر العباسي، ولقد قامت في عهد الخليفة الرشيد ثورات كثيرة وكان منشؤها محاولة إرجاع الدولة العباسية إلى عهد الفرس الماجد الزاخر، وهذا داء قديم، وكثير ممن إتهموا بالزندقة، وقتلوا عليها في عهد المهدي، كانوا أشخاصا حاولوا مثل هذه المحاولة، وكانت ثورات سياسية إنما صبغت بالصبغة الدينية لاستمالة الرأي العام، وقد اتهم البرامكة بمثل هذه التهمة بجانب التهم التي عددناها، وذلك مثل ثورة الخرمية في طبرستان. 

فقد تحركوا بناحية أذربيجان تدعوهم إلى ذلك القومية على ما يظهر فوجّه إليهم الرشيد عبد الله بن مالك في عشرة آلاف فارس فأسر وسبى حتى إنتهى أمرهم، ولما جاءت الدعوة العباسية إلى خراسان، كان خالد بن برمك من أكبر دعاتها فجعله أبو العباس السفاح وزيرا، فما زال خالد بن برمك يتقلب في المناصب بحسن السيرة وكان ممدوح الولاية حتى مات سنة مائة وثلاثة وستون من الهجرة، وكان ابنه يحيى بن خالد بن برمك من أرفع الناس أدبا وفضلا ونبلا، تولى المناصب منذ عام مائة وثماني وخمسون من الهجرة، وكان محبوبا وهو الذي ربى هارون الرشيد، الذي بدوره كان لا يناديه إلا يا أبي، ويحيى هو الذي مكّن هارون من الخلافة على غير رغبة الهادي، فلما تولى الرشيد الخلافة أمّر يحيى وزارته فكانت وزارة تفويض وقال له " قلدتك أمر الرعية. 

وأخرجته من حقي إليك، فاحكم في ذلك بما ترى من الصواب، واستعمل من رأيت، وأعزل من رأيت" وفي عام مائة أربعة وثمانون من الهجرة، وبايع الرشيد لابنه عبد الله المأمون بولاية العهد بعد أخيه محمد الأمين وضمه إلى جعفر بن يحيى، ولقد كانت هذه الأسرة مقربة إلى الرشيد، تساعده في القيام بمهام الدولة خير قيام، سماهم المؤرخون زهرة الدولة العباسية كلها قادوا الجيوش، وسدوا الثغور، ودافعوا عن حياض الدول، ولكن لماذا أوقع بهم الرشيد، وما الذي غير قلبه عليهم؟ والحقيقة في هذه المسألة غير أكيدة وإختلف فيها المؤرخون، والأرجح أن هذه الأسرة الفاضلة قد بلغت من العز مبلغا عظيما، وهناك دائما الحاقدون وأصحاب القلوب المريضة الذين لا يحبون أن يروا الأمة مجتمعة إلى حين، ويغيظهم أن يصل غيرهم إلى تلك المنازل بجهد وبذل وتضحية. 

وهم متفرجون، فيلجئون إلى الوشاية والوقيعة بحيلة ومكر، ولقد تغير قلب الرشيد تجاههم بفعل فاعل، ولعل أرجح ما قيل في ذلك ما ذكره بعض المؤرخين أن سبب ذلك قيام جعفر بن يحيى بتهريب يحي بن عبد الله بن الحسن أخو إدريس، من سجن الرشيد سرا، لأنه تعاطف معه لأنه من نسل آل البيت، وقد اتهم البرامكة بالتشيع من قبل بعض المؤرخين، وبلغ الخبر الفضل بن الربيع من عين كانت له حيث كان يتحين فرصة يؤلب بها الرشيد على البرامكة، فأخبر الرشيد فقال له الرشيد "ما لك وهذا لا أم لك، فلعل ذلك عن أمري" فانكسر الفضل، فلما جاء جعفر وهو حبيب الرشيد دعا بالغداء فأكلا وتحادثا إلى أن كان آخر ما دار بينهما أن قال الرشيد ما فعل يحيى بن عبد الله؟ قال جعفر بحاله يا أمير المؤمنين في الحبس والأكبال، قال الرشيد بحياتي؟ فأحجم جعفر وهجس في نفسه. 

أنه قد علم بشيء من أمره، فقال لا وحياتك يا سيدي، ولكن أطلقته وعلمت أنه لا حياة به ولا مكروه عنده، فقال الرشيد نعمّا فعلت ما عدوت ما كان في نفسي فلما خرج اتبعه بصره ثم قال قتلني الله بسيف الهدى على عمل الضلالة إن لم أقتلك فكان من أمره ما كان، كانت هذه الحادثة سببا للوشاية بالبرامكة في أخص صفات الوزراء وهي الإخلاص لملوكهم، وذلك طعن مؤثر ووقر في نفس الرشيد شيء من ذلك أن البرامكة يؤثرون مصلحة العلويين على مصلحته، وهذه التهمة أشد من تهمة الزندقة عند المهدي وإنفرط عقد الثقة بين الخليفة الرشيد والبرامكة وهم أحباؤه وخلصاؤه، فتحمست أمامه عيوبهم وجعلته يستريب فيهم لأدنى شبهة، حتى كانت سنة مائة وسبعة وثمانون من الهجرة، وفيها كان مهلك البرامكة على يدي الرشيد قتل جعفر بن يحيى بن خالد البرمكي بطريقة بشعة. 

ودمر ديارهم وذهب صغارهم وكبارهم، ويبدو أن الرشيد قد ندم بعدها فقد كان يقول لعن الله من أغراني بالبرامكة، فما وجدت بعدهم لذة ولا رجاء، وددت والله أني شطرت نصف عمري وملكي، وأني تركتهم على حالهم، وفي ساعات قليلة إنتهت أسطورة البرامكة وزالت دولتهم، وتبدت سطوة تلك الأسرة التي إنتهت إليها مقاليد الحكم وأمور الخلافة لفترة طويلة من الزمان، تلك النهاية المأساوية التي إصطلح على تسميتها في التاريخ بنكبة البرامكة.

تصنيف المقال : 

إضافة تعليق جديد

CAPTCHA
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
8 + 2 =
Solve this simple math problem and enter the result. E.g. for 1+3, enter 4.