بقلم / محمـــد الدكـــروري
اليوم : الثلاثاء الموافق 10 سبتمبر 2023
إن الحمد لله، نحمده ونستغفره ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلّ له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، بعثه الله رحمة للعالمين هاديا ومبشرا ونذيرا، بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة فجزاه الله خير ما جزى نبيا من أنبيائه، فصلوات ربي وتسليماته عليه وعلى جميع الأنبياء والمرسلين، وعلى صحابته وآل بيته، وعلى من أحبهم إلى يوم الدين أما بعد، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن الله إذا أنعم على عبد نعمة يحب أن يرى أثر نعمته على عبده" وقيل المعنى يرى مزيد الشكر لله تعالى بالعمل الصالح والثناء والذكر له بما هو أهله، والعطف والترحم والإنفاق من فضل ما عنده في القرب قال تعالى "وأحسن كما أحسن اللّه إليك"
والخلق كلهم عيال الله وأحبهم إليه أنفعهم لعياله، فيرى في أثر الجدة عليه زيا وإنفاقا وشكرا، هذا في نعمة الله، أما في النعمة الدينية فبأن يرى على العبد نحو إستعماله للعلم فيما أمر به، وتهذيب الأخلاق، ولين الجانب، والحلم على السفيه، وتعليم الجاهل، ونشر العلم في أهله، ووضعه في محله بتواضع ولين جانب في أبهة وإحتشام، وفي ولاة الأمور بالرفق بالرعية، وإقامة نواميس العدل فيهم، ومعاملتهم بالإنصاف وترك الإعتساف، إلى غير ذلك من سائر ما يجب عليهم، ويطرد ذلك في كل نعمة مع أن نعمه تعالى لا تحصى، فإن قليل إن هذا ينافي ما ورد في بعض الأحاديث الصحيحة كقول رسول الله صلى الله عليه وسلم "البذاذة من الإيمان" أي رثاثة الهيئة وترك الترفه وإدامة التزين والتنعم في البدن والملبس.
وحديث عائشة رضي الله عنها أنها أخرجت كساء وإزارا غليظا وقالت قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذين، ونهيه صلى الله عليه وسلم عن الترجل إلا غبا أي يوما بعد يوم، فالجواب أن مقصود هذه الآثار الحث على التواضع وعدم الإنغماس في زينة الدنيا والإنشغال الزائد بها، ولذلك قال البغوي معلقا على قول رسول الله صلى الله عليه وسلم "فليُري عليك" هذا في تحسين ثيابه بالتنظيف، والتجديد عند الإمكان من غير مبالغة في النعومة والترفه، ومظاهرة الملبس على الملبس، على ما هو عادة العجم والمترفين، ويقول رسول الله صلي الله عليه والسلم "البذاذة من الإيمان" فالمقصود أن البذاذة من أخلاق أهل الإيمان إن قصد به تواضعا وزهدا وكفا للنفس عن الفخر والتكبر وإيثار الخمول بين الناس.
لا إن قصد إظهار الفقر وصيانة المال، وإلا فليس من الإيمان من عرّض النعمة للكفران، وأعرض عن شكر المنعم المنان، فالحسن والقبح في أشباه هذا بحسب قصد القائم بها فإنما الأعمال بالنيات ولهذا قال صلى الله عليه وسلم "من ترك اللباس تواضعا لله و هو يقدر عليه دعاه الله يوم القيامة على رءوس الخلائق حتى يخيره من أي حلل الإيمان شاء يلبسها" وأما نهيه صلى الله عليه وسلم عن الترجل إلا غبا، فالمراد النهي عن المواظبة عليه والاهتمام به، لأنه مبالغة في التزيين وتهالك به، وينسجم هذا التأويل مع قوله صلى الله عليه وسلم "من كان له شعر فليكرمه" وقد يقال إن ذلك يختلف بإختلاف الأحوال، ولكل مقام مقال، وقد كان جعفر الصادق رضي الله عنه يلبس الجبة على بدنه، ويلبس الثياب الفاخرة فوقها.
فقال له بعض من اطلع على حاله في ذلك، فقال نلبس الجبة لله والخز لكم فما كان لله أخفيناه، وما كان لكم أبديناه، وقال الغزالي اعلم أن الثوب الجيد ليس من ضرورته التكبر في حق كل أحد في كل حال، كما أن الثوب الدون قد لا يكون من التواضع، وعلامة المتكبر أن يطلب التجمل إذا رآه الناس ولا يبالي إذا انفرد بنفسه كيف يكون، وعلامة طالب الجمال أن يحب الجمال في كل شيء حتى في خلوته.
إضافة تعليق جديد