"التعليم المعكوس" استراتيجية بديلة للتعلم التقليدي في ظل أزمة كورونا

بقلم

د / عائشة عبدالفتاح الدجدج

أستاذ التخطيط التربوي م جامعة القاهرة

رئيس لجنة التعليم والبحث العلمي بنقابة المعلمين بالقليوبية

يمر العالم الآن بأزمة كبيرة تعد من أكبر الازمات التي تعرض لها العالم في العصر الحديث أثر انتشار جائحة فيروس كورونا التي اجتاحت العالم كله،وطالت جميع مناحي الحياة في كل المجتمعات وأثرت علي كافة القطاعات، وكان التعليم من أكثر القطاعات تأثراً بتلك الأزمة، وأصبح من الضروري توفير نظام بديل للتعليم التقليدي.

فاتجهت وزارة التربية والتعليم إلى استخدام التكنولوجيا وآليات التعلم عن بعد ، التي تحقق التواصل بين المعلمين والطلاب من خلال منصات التعلم.

لكن الانتقال إلى التعليم الالكتروني والاستعانة به كبديل ليس بالأمر اليسير فهو يستلزم الكثير من التجهيزات والاستعداد المسبق .

لهذا لابد من التعرف علي نظام التعليم الالكتروني والتعليم المدمج، والمتطلبات اللازمة لنجاح كل نمط من هذه الأنماط التعليمية، وكيفية تصميم المناهج والمحتوى التعليمي الاكتروني.

فالتعليم الالكتروني لا يعني فقط تحويل المحتوى التعليمي إلى مادة الكترونية يضعها المعلم علي المواقع الالكترونية ويكلف الطلاب بعد ذلك بالاطلاع عليه فحسب ، وإنما الأمر يتطلب الكثير من الجهد ، فعلي المعلم الرجوع إلى النظريات المعرفية الحديثة في التعلم، والبحث في كيفية تحويل المحتوي التعليمي إلى مادة إلكترونية ، وأيضاً يحتاج من الطلاب ضرورة إعمال العقل والتفكير والمشاركة في إعداد المحتوي التعليمي، واكتساب مهارات التعلم الناقد .

فماهو التعليم المعكوس/المقلوب

التعلم المعكوس أوكما يطلق عليه أحيانا الفصل المقلوب Flipped classroom،

شكل من أشكال التعليم المدمج الذي يتم فيه توظيف التقنية الحديثة مع التعلم التقليدي ، حيث يشاهد الطلاب في منازلهم بعض مقاطع الفيديو التي يرسلها لهم المدرس قبل الحضور للصف الدراسي، ليطلع الطلاب على المحتوى التعليمي، كما يمكنهم التواصل مع بعضهم البعض والتحاور حول موضوعات الدرس.

ففي التعليم المعكوس يتم تحويل الحصة الدراسية أو المحاضرة إلي دروس مسجلة على الإنترنت، بحيث يستطيع الطلاب الوصول إليها خارج الفصل من خلال الهواتف الذكية أو أجهزة الحاسب، لإفساح المجال للقيام بنشاطات أخرى داخل غرفة الصف

ويخصص وقت الحصة في المدرسة للمناقشات حول مفاهيم وموضوعات الدرس وتقديم التعزيز والتغذية الراجعة.

إذا هو تعليم متمركز حول المتعلم الذي يقوم بمشاهدة مقاطع فيديو للدرس في البيت قبل الحضور إلى المدرسة من أجل المشاركة في الصف بفاعلية.

والتعلم المعكوس / المقلوب هو استراتيجية تتضمن نوعين من الأنشطة ، أنشطة تعلم فردي خارج الصف ، وأنشطة التعلم و التواصل الجماعي داخل الصف الدراسي.

وفي هذا التعلم تتحول الحصة الدراسية إلى ورشة عمل تكون غنية بالمناقشات والتفاعلات بين الطلاب والمدرس ، بينما يخصص وقت الواجبات المنزلية من خلال مشاهدة فيديوهات أو برامج تعليمية تعرض المحتوى التعليمي.

سوف يتحول دور الطالب إلى مشارك نشط يستقصي المعلومة ويشارك زملائه في أنشطة التعلم ، بينما يتحول دور المعلم إلى ميسر وموجه يقدم التعزيز والتغذية الراجعة.

لذلك يسعي نمط التعليم المعكوس إلى إعادة تشكيل العملية التعليمية ليتم تغيير الدور التقليدي الذي تقوم به المدرسة والمنزل بحيث يحل كل منهما مكان الآخر ، وهو ما أعطى هذا النمط اسمه.

ففي التعليم التقليدي يقوم المعلم بشرح المادة التعليمية خلال الحصص الدراسية، ثم يذهب الطلاب إلى البيت بعدها ليقوموا بحل الواجبات والتعامل مع المشكلات لوحدهم ، وهو ما قد يؤدي إلى عزوفهم عن المادة في بعض الأحيان أو الإحباط لعدم قدرتهم على التغلب على المشكلات أحياناً اخري.

بينما في التعليم المعكوس يقوم الطالب بمتابعة فيديوهات شرح المادة التعليمية ليفهم المفاهيم والأفكار الأساسية في الدرس، ثم يأتي إلى المدرسة ليقوم بالتطبيق والمناقشة وحل المشكلات بمساعدة المعلم والطلاب الآخرين ، فيتفاعل الطلاب مع المادة التعليمية بشكل أكثر عمقاً وهو ما يعمق فهمهم وحبهم للمادة الدراسية.

فالنقاش والأسئلة يصبح لها معنى أكبر و أكثر ثراء لدي الطلاب، نتيجة لتفاعلهم مع المادة التعليمية بعيداً السطحية التي قد تحدث من مجرد الإستماع إلى المعلم، وحفظ المادة وفهمها في البيئة التقليدية.

فاستراتيجية التعلم المعكوس / المقلوب، تتيح للطالب وتمكنه من ممارسة عدة أنواع من أساليب وطرق التعلم منها :

- التعلم الذاتي التي تتوقف على رغبة المتعلم وقدرته ونشاطه في التعلم.

- التعلم النشط الذي يعتمد على المشاركة الايجابية والفعالة التي يقوم بها المتعلم في الموقف التعليمي.

- التعليم بالاستقصاء : الذي يقوم على إعادة بناء المعرفة وتنظيمها وإنتاج وتوليد الافكار وتطبيقها في المواقف الحياتية.

- التعليم المتمايز : وهي طريقة في التعلم لتقديم بيئة تعليمية مناسبة لجميع الطلاب بهدف تنمية قدرات وإمكانات الطلاب.

خطوات تنفيذ التعليم المعكوس :

١- التخطيط

يتم تحديد الدرس المراد تدريسه، ثم تحديد الاهداف التعليمية مسبقاً، واختيار المحتوى التعليمي، واختيار النمط التكنولوجي الذي ستقدم به المادة التعليمية والذي يوفر للطلاب فرص التعلم ذات المعنى ، بعد تحديد المهام التى سيكلف المتعلم بها والأنشطة التي سينفذونها داخل القاعة.

٢- إعداد المحتوى التعليمي

لابد من إعداد المحتوي التعليمي في قالب إلكتروني يتاح للمتعلمين قبل الحصة الدراسية ، بطريقة شيقة وجذابة وواضحة، وقد يأخذ أشكال مختلفة مثل العروض التقديمية والفيديو والكتب الالكترونية وغيرها.

٣- تحديد الأنشطة التعليمية

في هذه المرحلة يتم تحديد المهام والأنشطة الفردية التي سيؤديها المتعلمين قبل حضورهم للصف الدراسي مثل الأنشطة البحثية على النت ، والأسئلة مفتوحة النهايات ، وغيرها.

٤- تحديد الأنشطة التعليمية أثناء الصف

تتنوع الأنشطة ما بين فردية وجماعية، وإن كان يغلب عليها الطابع الجماعي ، وعلى المعلم تخصيص ما بين (10-15 ) دقيقة في بداية الحصة لعرض مقدمة مختصرة عن موضوع الدرس ، والتعرف على الأسئلة التي تشغل ذهن المتعلمين.

٥- ممارسة الأنشطة ما بعد الصف

يتمثل في الواجبات والتكليفات والمشروعات البحثية التي يكلف بها الطلاب.

٦- التقويم التكويني والنهائي

حيث يتم من خلاله الحكم على مدي تحقق الأهداف التعليمية.

دور المتعلم في التعليم المعكوس / المقلوب :

* في المنزل : يقوم الطالب بمشاهدة الفيديو التعليمي ، ويدون الملاحظات والأسئلة خلال مشاهدة الفيديو.

* في المدرسة : يحضر الطالب إلى المدرسة وفي الحصة يناقش المعلم في الأسئلة وفي المشكلات التي واجهته والتساؤلات التي دونها في المنزل أثناء مشاهدته للفيديو.

دور المعلم في التعليم المعكوس / المقلوب

لقد أصبح دور المعلم في التعليم المقلوب أكثر أهمية من ذي قبل ، فبدلاً من المحاضرة التقليدية التي يلقيها على الطلاب في الفصل؛

أصبح يقوم بثلاثة أدوار هي :

* الملاحظة ، وإعطاء التغذية الراجعة ، والتقويم، بالاضافة إلى توجيه تفكير المتعلم ومساعدته

يقوم المعلم بإعادة ترتيب الفصل الدراسي ليتناسب مع الأنشطة التي تتضمنها الوحدة الدراسية.

* يحدد المعلم بشكل متسلسل مع طلابه كيف يتعلمون ؟ ومتى ؟ وأين ؟

* يتشارك المعلم مع طلابه في أختيار الأنشطة والتطبيقات والموضوعات التي يرغبون بها،

* على المعلم أن يتحمل بعض الفوضى والازعاج التي قد تسود الفصل الدراسي مقارنة بالصف الهادئ المنضبط أثناء التعليم التقليدي داخل الفصل.

* يقوم المعلم بوضع نظام تقويمي مناسب وموضوعي يقيس فهم الطلاب للموضوعات الدراسية بشكل واضح.

مميزات التعليم المعكوس ومعوقاته :

أولًاً : المميزات

* يحقق التعليم المقلوب / المعكوس التوازن بين استراتيجيات وطرق التدريس المباشرة وغير المباشرة من خلال الدمج بين التعليم التقليدي وتكنولوجيا التعليم، مما يزيد فرص تعلم الطلاب بعمق ، كما يعطي الطلاب ثقة أكبر في تعلمهم.

* يزيد مساحة الوقت المناسبة للمناقشة والحوار بين المعلم وطلابه وأقرانهم في الفصل.

* يتيح للمعلم الوقت الكافي للتركيز والاشتغال على اكساب الطلاب مهارات التفكير العليا.

* يجمع بين التعلم السابق في المنزل وبين ممارسة الخبرة الاجرائية في الفصل، فيحقق التوازن المطلوب لتحقيق تعليم ذو معني.

* يعد التعليم المعكوس / المقلوب أحد الطرق لتكوين بيئة صفية متمركزة حول الطالب وتعطي للطالب مساحة أكبر للتعلم.

* تسهم استراتيجية التعليم المعكوس في خفض معدلات الرسوب ، وخفض مشكلات الانضباط ، وتحسين مشاركة الطلاب.

* يناسب هذا النوع من التعلم الطلاب ذوى القدرات الخاصة ( المتفوقين ومنخفضي المستوى الدراسي، وحتي من لديهم صعوبات في التعلم ) فبإمكان كل طالب مشاهدة الفيديو حسب سرعة الذاتية وقدراته المعرفية.

ثانيا: المعوقات

*عدم توافر البنية التحتية التكنولوجية ( الاجهزة والبرمجيات والاتصال بشبكة الانترنت بشكل دائم ).

*عدم تمكن المدرسين من المهارات والكفايات التكنولوجية اللازم لاستخدام هذا النوع من التعلم.

* عدم ملائمة استخدام هذا النوع من التعليم مع طلاب المدارس الابتدائية.

*عدم توافر الوقت الكافي للمعلمين لإعداد المحتوي التعليمي خاصة الذين يدرسون أكثر من مقرر تعليمي.

* عدم توفر أجهزة الحاسب لجميع الطلاب في البيئات المختلفة.

* انشغال الطلاب في كثير من الأحيان، وعدم مشاهدتهم للمحتوي التعليمي.