رئيس مجلس الإدارة   
            د/ نبيلة سامى                   

                                               

          صحافة من أجل الوطن 

              (  مجلة مصر )

                             ( أحدث إصدارتنا)

الاثنين 17 مارس 2025 2:56 ص توقيت القاهرة

التعليم بين الفكر وخشبة المسرح

بقلم / حمادة سعد

لأننا نعيش في عصر تدورفيه عجلة التغيير بلا هوادة أو رحمة ،ويخضع فيه التعليم لتحولات جوهرية تبرز الحاجة إلى طرائق تدريس مستحدثة تخرج بالمُتعلِّم من جمود الكتب إلى حياة التجربة والامتاع تتوهّج فكرة  “مسرحة المناهج” كواحدةٍ من أبرز الاستراتيجيات التعليمية الحديثة، حيث تُترجم النظريات إلى مشاهد، وتحيا القواعد بين الشخصيات لتصبح الفصولُ خشباتِ مسرح، والمُتعلِّمون نجومًا على مائدة الإبداع القائم على الفهم العميق .
تُعرَّف "مسرحة المناهج " بأنها توظيف العناصر المسرحية كالحوار، والأداء التمثيلي، والسينوغرافيا في شرح المفاهيم الدراسية مما يُضفي عليها طابعًا دراميًا شيقًا يُسهِّل فهمها، ويُحيل التعلم من مهمة جافة إلى تجربة حسية متكاملة.

وقد أكّد الباحث “إدجار ديل” (Edgar Dale) في هرم التعلُّم أن المتعلمين قد يتذكرون  ١٠٪؜ فقط من القراءة ، و٢٠٪؜  من الاستماع ، و  لكن النصيب الأكبر جاء بنسبة ٩٠ ٪؜ مما يمارسونه أو  يؤدونه بأنفسهم ، وهذا يبرهن على فاعلية المسرح التعليمي في ترسيخ المعرفة.
وإذا سألتني عزيزي بصفة شخصية : لم تفضل استراتيجيات مسرحة المناهج؟ فالإجابة تكمن في أنها تعزز  الفهم العميق بدلًا من الحفظ الآلي، كما يمكن للطالب أن يُشارك  في التجربة، فيتشرب المفاهيم كما يتشرب الممثل دوره في سيناريو ماتع شيق ، وبلا ريب  فالمسرحة تعمل على تنمية المهارات اللغويةوالاجتماعية؛ لأن الحوار المسرحي يُنمّي الطلاقة اللفظيةوالثقة بالنفس، ولا شك أنه يزرع روح الفريق الواحد القائمة على التكامل ، ويرسخ القيم
 و يخلق السلوك المنضبط 
… إنها الاستراتيجية التي تُحوّل الفصول الجامدة الرتيبة إلى خشبات مسرح نابضة بالحياة، حيث تخرج المفاهيم من جمود الأوراق إلى عالم التجسيد والمحاكاة. 
ولك أن تعلم أنه وفقًا لدراسة أجراها المجلس الوطني للفنون بالولايات المتحدةالأمريكية  فالطلاب الذين يتعلمون من خلال استراتيجيات " مسرحة المناهج" يزيد معدل نبوغهم بنسبة ٢٠ ٪؜ عن أقرانهم الذين يتعلمون بالطرق التقليدية،  وأن دولةكفنلندا رائدة التعليم في العالم تعتبر المسرح جزء من المنهج الدراسي 
،وتصدر فنلندا للتصنيفات العالمية في جودة التعليم يجعلنا نعي وندرك أهمية استخدم تقنيات التمثيل والتجسيد والتقمص الدرامي في تدريس العلوم المختلفة ؛لأن الأبحاث التربوية العالمية أجمعت على أن "المسرحة " تعزز التفكير التحليلي وتحفّز الفضول العلمي.
كما تنبهت  بريطانيا إلى المسرح المدرسي في تعليم اللغة الإنجليزية والأدب، حيث يقرأ الطلاب المسرحيات الكلاسيكية لكبار الكتب مثل " تشارلز ديكنز "  وغيرها من عمالقة الأدب الإنجليزي ، ثم يُؤدّونها بشكل درامي ، وقد ساعدتهم هذه المحاولات الحثيثة على فهم النصوص الأدبية بعمق وتحسنت مهارات النطق والاستيعاب لدى شريحة كبيرة منهم ، وفي الولايات المتحدة الأمريكية التي لا تترك مجالا للمنافسة العلمية إلا خاضته حرصا منها على أن تبقى في الصفوف الأمامية وتعتبره أمنا قوميا واجب النفاذ تم تأسيس مشروع “دراما إديوكيشن”والذي كأداة تربوية أساسية في المراحل الأولية للتعليم ، وأظهرت دراسة أطلقت مؤخرا لمؤسسة “إيدج فاونديشن” أن ٨٥٪؜ من المعلمين أكدوا تحسن مشاركة الطلاب بعد تطبيق " المسرحة " بفترة قصيرة

وعلى الرغم من أن مسرحة المناهج لم تنتشر على نطاق واسع في الدول العربية مقارنة بدول شرق أسيا وأوروبا وغيرها من الدول المتقدمة إلا أن هناك تجارب تستحق الإشادة والتقدير ، ونأخذمنها على سبيل المثال تجربة وزارة التربية والتعليم المصرية بمشروعها الرائد “المسرح المدرسي”منذ فترة طويلة في أكثر من ٢٠٠ مدرسة على مستوى الجمهورية في مادة اللغة العربية،وتجربة دولة الإمارات العربية المتحدة باعتماد المسرح التفاعلي في بعض المدارس الخاصة، حيث يتم تدريس العلوم والرياضيات ،وهذا رفع نسبة مشاركة الطلاب بنسبة ٣٠٪؜مقارنة بالطريقة التقليدية .

أما عن مسرحة المناهج بالمملكة العربية السعودية، فالمسرح يدخل ضمن الأنشطة اللاصفية
، وقد بدأت بعض المدارس الخاصة والحكومية بإدخاله في مرحلة ما قبل المدرسة برياض الأطفال والصفوف الأولية بالمرحلة الابتدائية ،حيث يترك العنان للمعلم المبدع أن يقدم المسرحيات التعليمية القصيرة ؛لتعزيز الفهم وغرس القيم ،ولترسيخ المفاهيم الدراسية وفقا للأهداف التعليمية .
ويبقى التحدي الأكبر  أمام تنفيذ هذه الاستراتيجية التفاعلية الهامة ، ويتجسد 
   في ضعف التدريب؛ لأن  معظم المعلمين في الوطن العربي لم يتلقوا تدريبًا على استخدام المسرح كأداة تعليمية ؛لأنها تحتاج لملكة خاصة ،وحس إبداعي ،وقدرة على التنغيم الصوتي …ناهيك عن فن كتابة الحوار المقنع الذي يربط عناصر المنهج دون إفراط أو تفريط،ويمثل
   نقص الإمكانيات كالتجهيزات المناسبة والمؤثرات الصوتيةوالتقنيات 
الحديثة عقبة أخرى تضعف من جودة الأداء المسرحي.
   ولا يخفى عليك أيضا طبيعة المناهج التقليدية العقيمة  …التي تعتمد على التلقين والحفظ.
وفي الختام فمسرحة المناهج ليست مجرّد وسيلة ترفيهية، بل هي أداة تعليمية ثورية تعيد صياغة الفهم، وترسم خرائط جديدة في عقل الطالب، حيث يصبح المتعلم شريكًا في بناء المعرفة، لا مجرد متلقٍ لها.

إذا كنا نريد مستقبلًا تعليميًا متطورًا، فعلينا أن نفتح ستائر المسرح في الفصول الدراسية، ونسمح للعلم أن يُمثَّل، وللمعرفة أن تُحكى، وللطلاب أن يكونوا أبطال’ التعلم في عصرٍ يُقدِّر الإبداع بقدر تقديره للمعرفة ذاتها.

تصنيف المقال : 

إضافة تعليق جديد

CAPTCHA
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.