بقلم / محمـــد الدكـــروري
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد، لقد بالغ الإسلام أشد المبالغة في المحافظة على الجار وعدم إيذائه، فقد ضاعف عقوبة الذنب الواحد إلى عشرة أضعاف، فقد أخرج الإمام أحمد عن أبي ظبية الكلاعي، قال سمعت المقداد بن الأسود يحدّث أن النبي صلى الله عليه وسلم سألهم عن الزنا، فقالوا حرام، حرمه الله ورسوله، فقال "لأن يزني الرجل بعشر نسوة، خير له من أن يزني بامرأة جاره" قال وسألهم عن السرقة، فقالوا حرام حرمها الله ورسوله، فقال "لأن يسرق الرجل من عشرة أبيات، أيسر عليه من أن يسرق من بيت جاره"
ولقد صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا البيان لأن الجار ألصق بجاره من غيره، وإختلاطه به أشد من غيره، وهذا الإختلاط قد يكون فرصة لصغار النفوس، وضعفاء الإيمان، وحلفاء الشيطان، أن يعبثوا بحرمة الجار، وينتهكوا عرضه وهم آمنون لأنهم أعلم الناس بمدخله ومخرجه، وغيابه وحضوره، فيسهل عليهم الترتيب للجريمة، وقد يعتبره الجار من حماة أهله وحراس عرضه، فتشتد ثقته فيه وإطمئنانه إليه، ومن هنا جاء التشديد في الذنب، ومضاعفة الإثم إلى عشرة أضعافه" وقيل أنه وقع عند جيران غزوان حريق، فذهب يطفئه، فوقع شرارة على أصبع من أصابعه، فقال ألا أراني قد أوجعتني نار الدنيا، والله لا يراني ضاحكا حتى أعرف أينجيني من نار جهنم أم لا؟"
وقد كان جماعة من السلف عاهدوا الله أن لا يضحكوا أبدا، حتى يعلموا أين مصيرهم، إلى الجنة؟ أم إلى النار؟ منهم جمعة الدوسي، والربيع بن خراش، وأخوه ربعي، وأسلم العجلي، ووهيب بن الورد، وغيرهم، ويروى في بعض الآثار أن صحف نبي الله موسى عليه السلام كانت عبرا كلها، ومما يروى فيها "عجبت لمن أيقن بالموت ثم هو يفرح، عجبت لمن أيقن بالنار ثم هو يضحك، عجبت لمن أيقن بالقدر ثم هو ينصب، عجبت لمن رأى الدنيا وتقلبها بأهلها ثم اطمأن إليها، وعجبت لمن أيقن بالحساب غدًا ثم لا يعمل" ومن السلف من أحدث له خوفه من النار مرضا، ومنهم من مات من ذلك، وكان الحسن يقول في وصف الخائفين " قد براهم الخوف، فهم أمثال القداح، ينظر إليهم الناظر فيقول مرضى وما هم مرضى.
ويقول قد خولطوا، أي أصابهم شيء في عقلهم وقد خالط القوم من ذكر الآخرة أمر عظيم، وفى سرعة الاستجابة لأوامر الله تعالى ورسوله الكريم تجد أن الرعيل الأول من صحابة رسول الله عليه الصلاة والسلام قد ضربوا أروع الأمثلة في الاستسلام للوحي والتسليم لأوامر الشريعة الغراء، فقد كانوا يتقبلونها بكمال إذعان وانقياد دون اعتراض أو تلكؤٍ أو نكوص فحين نمعن النظر نجد أن الأمر لم يكن يتوقف مع الصحابة الكرام عند حدود التصديق وفقط، ولكن كان يتبع التصديق انصياع واستجابة وعمل فوري، فكان تلقي الخبر أو الأمر أو النهي يترجم من فوره مباشرة ودون أدنى تأخر إلى واقع ملموس وفعل محسوس.
إضافة تعليق جديد