بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله ذي الجلال والإكرام حي لا يموت قيوم لا ينام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك الحليم العظيم الملك العلام، وصلاة وسلاما على حبيبك وحبيبنا خير رسل الله فهو الذي بلغ الرساله وأدى الأمانه وأرشدنا الى صراطك المستقيم وهو حضرته الذي علمنا حسن الظن بك فعندما كان ينزل عليه أي بلاء يقول بثقة من ربه "لعله خير" فكان ربه يبشره بالخير لأجل ذاك وهو من قال حسن الظن مأجور عليه، وإن حب الله تعالى من أعظم النعم التي ينالها العبد ويشرّف بها، فبذلك ينال خيري الدنيا والآخرة، وبه يوفق إلى مزيد من العمل، ويعصم عن كثير من الزلل، فمحبة الله تعالي هي الغاية التي يتنافس لأجلها الصالحون والمحسنون، لينالوا القرب من ربهم، والفوز بمرضاته.
ويتحقق ذلك بالعلم التام بالله عز وجل أما بعد " ما أطيبك من بلد وما أحبّك إليّ ولولا أن قومي أخرجوني منك، ما سكنت غيرك " كلمات قالها الحبيب المصطفي محمد صلي الله عليه وسلم وهو علي حدود مكة خارجا منها، فما أروعك من كلمات، فهي كلمات قالها الحبيب صلى الله عليه وسلم وهو يودّع وطنه، إنها تكشف عن حب عميق، وتعلق كبير بالوطن، بمكة المكرمة، بحلها وحرمها، بجبالها ووديانها، برملها وصخورها، بمائها وهوائها، هواؤها عليل ولو كان محملا بالغبار، وماؤها زلال ولو خالطه الأكدار، قالها النبي صلي الله عليه وسلم بلهجة حزينة مليئة أسفا وحنينا وحسرة وشوقا مخاطبا إياه "ما أطيبك من بلد" ولولا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو معلم البشرية يحب وطنه لما قال هذا القول الذي لو أدرك كل إنسان مسلم معناه.
لرأينا حب الوطن يتجلى في أجمل صوره وأصدق معانيه، ولأصبح الوطن لفظا تحبه القلوب، وتهواه الأفئدة، وتتحرك لذكره المشاعر، إنها الأرض التي ولد فيها، ونشأ فيها، وشبّ فيها، وتزوج فيها، فيها ذكريات لا تنسى، فالوطن ذاكرة الإنسان، فيها الأحباب والأصحاب، فيها الآباء والأجداد، إنه صلي الله عليه وسلم يحب مكةَ، ويكره الخروج منها، والرسول صلى الله عليه وسلم ما خرج من بلده مكة المكرمة، إلا بعد أن لاقى من المشركين أصناف العذاب والأذى، ولكن عندما حانت ساعة الرحيل، فاض القلب بكلمات الوداع، وسكبت العين دموع الحب، وعبّر اللسان عن الحزن، ومع كل ذلك لا يمكن أن يكرهها، وإن أصابه فيها ما أصابه، أخرجوه وطردوه وآذوه وشتموه ولكنها وطنه، وقد أخرج الأزرقي في أخبار مكة عن ابن شهاب قال.
" قدم أصيل الغفاري قبل أن يضرب الحجاب على أزواج النبي صلي الله عليه وسلم فدخل على السيدة عائشة رضي الله عنها فقالت له يا أصيل، كيف عهدت مكة؟ قال عهدتها قد أخصب جنابها، وأبيضت بطحاؤها، قالت أقم حتى يأتيك النبي صلي الله عليه وسلم فلم يلبث أن دخل النبي صلي الله عليه وسلم، فقال له "يا أصيل كيف عهدت مكة؟" قال والله عهدتها قد أخصب جنابها، وأبيضت بطحاؤها، وأغدق أذخرها، وأسلت ثمامها، فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم " حسبك يا أصيل لا تحزنا يا أصيل، دع القلوب تقر قرارها" أرأيت كيف عبر النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم عن حبه وهيامه وحنينه إلى وطنه بقوله "يا أصيل دع القلوب تقر"
إضافة تعليق جديد