بقلم / محمـــد الدكـــروري
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا، أما بعد اتقوا الله أيها المؤمنون حق التقوى، وراقبوه في السر والنجوى، واعلموا أن ما توعدون لآت وما أنتم بمعجزين، كم يسعى الإنسان ويجهد في هذه الحياة الدنيا، قد ملأ قلبه بالطموحات وغره طول الأمل وغفل عن كثرة العلل فانطلق كالسهم يركض خلف مبتغاه يعرق ليجمع ويجمع لينفق أو ليبخل قد أطغاه حب الجاه وأرهقه التطلع للمنصب وأشغله هم الأولاد وقصم ظهره اللهث وراء الأموال، فيفلح حينا ويعثر حينا آخر.
وينهض مرة أخرى لا يبالي بتعب ولا يفكر في جهد فقط أن يصل ما وصل غيره بل يزيد على ذلك ما استطاع إلى ذلك سبيلا ومن أصدق من الله قيلا " إنما أموالكم وأولادكم فتنة والله عنده أجر عظيم " فكم للدنيا من فتن مغرية تأخذ بلب المرء وقلبه وتهد من جسده وقوته، ويظن أنه سيبلغ غايته وينال مبتغاه وفي لحظة من اللحظات لم يحسب لها حسابا قد انغمس في عمله يدقق حساباته الدنيوية غافلا عن حساب الآخرة الشديد، وفي لحظة من اللحظات وهو في غمرة السعادة بين أهله وذويه أو بين أصحابه وأحبابه وفي لحظة من اللحظات يعيش نشوة الأموال وكثرة الأولاد وإستقرار الصحة والجسد في تلك اللحظة التي يبصر بها من حوله ويسمع من يحدثه ويحدث من يسمعه ويحرك فيها جسده لا مرضا.
ويشكو ولا علة يعالج ولا طبيبا يزور، قوة في جسمه تركب فوق قوة ونشاطا في عقله تختصم فيه الأفكار بالأفكار، لحظة رهيبة ومفاجأة غريبة، فيها توقف كل شيء، ماذا جرى لجسم الصحيح؟ ماذا حصل للعقل المدبر؟ ماذا وقع لصاحب الأموال والمنصب والجاه؟ ما هذه الصفرة التي سرت في جسده؟ أين سافرت نضرة هذا الجسم المترف؟ عجبا أرى عينين كانتا جميلتان بالبصر، مالهما قد زاغتا لا لفت أو نظر؟ قم يا رجل انهض فوراءك حياة مليئة بالعمل، أتترك أعمالك وأموالك وجاهك و منصبك وتحرك، لقد إرتخى اللسان السليط وخفت الصوت الصارخ فلا حس أو خبر، حينها تنادى الأحباب وتعالت الأصوات أحضروا الطبيب حركوا الأموال اتصلوا بأصدقاء الجاه والمراتب العالية.
أخبروهم بالمفاجأة علهم يجدوا الخلاص والنجاة من المصيبة، وقيل أنه دخل عبد الله بن محيريز دكانا يريد أن يشتري ثوبا فقال رجل قد عرفه لصاحب المحل هذا ابن محيريز فأحسن بيعه، فغضب ابن محيريز وطرح الثوب وقال " إنما نشتري بأموالنا، لسنا نشتري بديننا " وقال ابن عيينة كان من دعاء المطرف بن عبد الله " اللهم إني أستغفرك مما زعمت أني أريد به وجهك، فخالط قلبي منه ما قد علمت " وكان رحمه الله إذا حدث بحديث النبي صلى الله عليه وسلم يشتد عليه البكاء وهو في حلقته، فكان يشد العمامة على عينه ويقول ما أشد الزكام ما أشد الزكام، وروى صاحب طبقات الحنابلة أن عبد الغني المقدسي المحدث الشهير كان مسجونا في بيت المقدس في فلسطين.
فقام من الليل صادقا مع الله مخلصا فأخذ يصلي ومعه في السجن قوم من اليهود والنصارى فأخذ يبكي حتى الصباح فلما أصبح الصباح ورأى أولئك النفر هذا الصادق العابد المخلص ذهبوا إلى السجان وقالوا أطلقنا فإنا قد أسلمنا ودخلنا في دين هذا الرجل قال ولماذا؟ أدعاكم للإسلام؟ قالوا ما دعانا للإسلام ولكن بتنا معه في ليلة ذكرنا بيوم القيامة.
إضافة تعليق جديد