إعداد / محمـــد الدكـــرورى
أم المؤمنين أم سلمة هي أم المؤمنين هند بنت أبي أمية بن المغيرة المخزومية، وهى ابنة عم خالد بن الوليد وأبي جهل بن هشام، وكانت متزوجة من الرجل الصالح أبي سلمة بن عبد الأسد المخزومي، ويعتبر أبوها من سادات قريش، وشُهد له بالكرم والسخاء، حتى لُقّب بزاد الراكب، حيث كان إذا ما رافقه أحد في السفر منعه من تزوّد الطعام ويكفيه ذلك، وقبل أن نبدء الحديث عن السيده أم سلمه يجب علينا أن نعلم أن الله سبحانه وتعالى كتب الجهاد في سبيله على الرجال دون النساء، إلا أن ذلك لم يمنعهن من المشاركة في المعارك والحروب الإسلامية من خلال مداواة الجرحى وتطبيبهم، وما يحمله ذلك من المخاطر على أرواحهن.
وقد سجلت كثير من الصحابيّات الكرام مواقف بطولية شهد بها التاريخ، ومن هؤلاء الصحابيّات نسيبة بنت كعب أم عمارة رضي الله عنه التي وقفت موقفا بطوليا في غزوة أحد حينما لم تكتف بمهمة تطبيب الجرحى بل باشرت بنفسها القتال في سبيل الله والذّب عن النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، حينما انفض عنه الكثيرون، وكذلك محبة العلم الشرعي والتعلم، فعلى الرغم من أن الصحابيات كن يتميّزن بالحياء الشديد، إلا أن ذلك لم يمنعهن من السؤال عن العلم والتعلم، فقد كانت السيدة عائشة رضي الله عنها تقول رحم الله نساء الأنصار، لم يمنعهن الحياء عن السؤال في الدين والتفقه فيه.
وكما كانت رضي الله عنها عالمة متعلمة، تحرص على أن تنهل من علم النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، حتى قيل إن ربع علوم الشريعة عند عائشة رضى الله عنها، وكذلك أيضا الاستجابة لأمر الله تعالى والالتزام به، فمما تميزت به الصحابيات الكرام أنهن كن حريصات على تطبيق أوامر الله تعالى دون تردد أو تلكؤ، ومن الأمثلة على ذلك عندما نزلت آيات الحجاب حيث بادرت نساء المؤمنات كما روي إلى شق مروطهن والاختمار بها امتثالا لأمر الله تعالى، وكذلك أيضا الفطنة والكياسة وحسن التصرف، فقد كانت الصحابيات نساء عاقلات يجاهدن أنفسهن ويحملنها على الرأي السديد الراشد بعيدا عن الهوى والعاطفة.
ومن الأمثلة على ذلك ما فعلته إحدى نساء الأنصار حينما فقدت ولدها حيث عاد زوجها من عمله فلم تخبره بخبر ابنه إلا بعد أن تهيأت وتزينت واجتمعا في تلك الليلة، ثم بعد ذلك ذكرت له خبر وفاته بأسلوب غاية في الحكمة والفطنة وبما يبعث في النّفس الإيمان والتّسليم، وكذلك أيضا الصبر، فقد كانت الصحابيات في الصبر والتحمل، ومن الأمثلة على ذلك صبر نساء بني هاشم حينما حوصرن مع أهليهم في شعاب مكة ثلاث سنين ولم يزدهم ذلك إلا إيمانا وتسليما، وكانت السيده أم سلمه رضي الله عنها من أوائل من دخل إلى الإسلام، فتحملت هي وزوجها أبو سلمة أصناف العذاب والأذى من قريش.
ثم هاجرت وزوجها إلى الحبشة بعدما أذن لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، بذلك، فنالوا ما نالوا من المصاعب في هجرتهم، وعند هجرتهم الثانية إلى المدينة المنورة، فرّقها قومها عن زوجها وابنها، وتعتبر السيده أم سلمة من أجمل النساء، وأشرفهن نسبا، وقد تشرفت رضي الله عنها برؤية أمين الوحى جبريل عليه السلام عندما دخل على النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وهي عنده، وكان بهيئة إنسان، وقد عُرف عن السيده أم سلمة رضى الله عنها، العديد من الصفات التي تميّزت بها عن غيرها ومنها التضحية والصبر، اللذين ظهرا بشكل واضح عندما أمر الرسول عليه الصلاة والسلام بالهجرة إلى المدينة.
ففرقها قومها عن زوجها وابنها، فبقيت في مكة مضحية في دينها وصابرة على الألم قُرابة السنة، حتى سمحوا لها بالهجرة، والتي قامت بها وحيدة صابرة على عناء السفر حتى لقيها عثمان بن طلحة وأوصلها إلى المدينة. رجاحة العقل: فقد كانت أم سلمة سبباً في نزول العديد من آيات القرآن الكريم، والتي كانت أجوبة على تساؤلاتها العاقلة للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وكذلك من صفاتها الحكمة، وقد ظهرت جليّاً في عدة مواقف، كمشورتها للرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وهو أن ينحر ويحلق دون أن يُكلّم أحداً حتى يتبعوه في عمله يوم الحديبية.
ونصائحها لعثمان بن عفان في خلافته باتباع طريق النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، وأصحابه الصدّيق والفاروق، وقد استشهد أبو سلمة في غزوة أحد، وترك خلفه أربعة أطفال بلا مُعيل أو كفيل، وقد كان هو وأم سلمة ممّن قدّموا للإسلام الكثير وعانوا في ذلك، فقدّر الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، ظرف السيده أم سلمة وأطفالها وحاجتهم إلى الكفالة، فتقدّم لخطبتها وقد قيل أنه كان عمرها حينذاك بين الخمس والخمسين والستين، فاعتذرت بداية لكبر سنّها وما لها من الأيتام، إضافة للغيرة الشديدة عندها، فرد الرسول بأنه لا يهمه العمر وبأن عيالها عياله، والغيرة سيُذهبها الله تعالى بعد الدعاء.
فكان ذلك وتزوجها النبي وربّى أيتامها وأحبّهم حباً عظيما، فهي السيده هند بنت أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، وكان أبوها من أجواد قريش، وكان يُعرف بـ"زاد الركب" لكرمه، وسخائه، وكانت أمُها هي عاتكة بنت عامر بن ربيعة بن عبد المطلب، أخوالها لأبيها عبد الله وزهير ابنا عمَّة رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، وقد تزوجت السيده أم سلمة من ابن عمها أبو سلمة رضى الله عنهما، وهو عبد الله بن عبد الأسد بن هلال بن مخزوم القرشي، وهو من الصحابة الأجلاء الذين أبلوا في الإسلام بلاء حسنا، وهو ابن عمَة رسول الله الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ، فأُمُه هى بَرَّة بنت عبد المطلب،
وقد هاجرت السيدة أمُّ سلمة مع زوجها رضي الله عنهما إلى الحبشة، فعن أمِّ سلمة رضي الله عنها قالت: لما نزلنا أرض الحبشة جاورنا بها خير جوار، وأَمنَّا على ديننا، وعبدنا الله لا نُؤذى، فلمَّا بلغ ذلك قريشا ائتمروا أن يبعثوا إلى النجاشي هدايا، فجمعوا أدما كثيرا، ولما أَذن الله للمسلمين بالهجرة إلى المدينة، وقعت قصة عظيمة للسيدة أم سلمة رضي الله عنها، تتجسَّد فيها أسمى معاني التضحية والصبر لله تعالى، حيث كان أبو سلمة رضى الله عنهما أول من هاجر إلى المدينة من أصحاب النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، من بني مخزوم، وقد هاجر رضى الله عنه قبل بيعة أصحاب العقبة بسنة.
وكان رضى الله عنه قد قدم على رسول الله الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ، من أرض الحبشة، فلما آذته قريش، وبلغه إسلام من أسلم من الأنصار، خرج رضى الله عنه إلى المدينة مهاجرا، وقد عانت السيدة أم سلمة رضي الله عنها ألمًا شديدا، في هذه الهجرة، فتقول رضي الله عنها، لمَّا أجمع أبو سلمة الخروج إلى المدينة رحل لي بعيره ثم حملني عليه، وحمل معي ابني سلمة بن أبي سلمة في حجري، ثم خرج بي يقود بي بعيره، فلمَّا رأته رجال بني المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم قاموا إليه، فقالوا: هذه نفسك غلبتنا عليها، أرأيت صاحبتك هذه؟ علامَ نتركك تسير بها في البلاد؟
قالت: فنزعوا خطام البعير من يده، فأخذوني منه، قالت: وغضب عند ذلك بنو عبد الأسد، رهط أبي سلمة، فقالوا: لا والله لا نترك ابننا عندها إذ نزعتموها من صاحبنا. قالت: فتجاذبوا ابني سلمة بينهم حتى خلعوا يده، وانطلق به بنو عبد الأسد، وحبسني بنو المغيرة عندهم، وانطلق زوجي أبو سلمة إلى المدينة، قالت: ففُرِّق بيني وبين زوجي وبين ابني، فكنت أخرج كل غداة فأجلس بالأبطح، فما أزال أبكي، حتى أمسى سنة أو قريبا منها، حتى مر بي رجل من بني عمي وهو أحد بني المغيرة فرأى ما بي فرحمني، فقال لبني المغيرة ألا تُخرجون هذه المسكينة، فقد فرَقتم بينها وبين زوجها وبين ولدها.
فقالوا لي الحقي بزوجك إن شئت، وقد ردَ بنو عبد الأسد إليَّ عند ذلك ابني، فارتحلت بعيري، ثم أخذت ابنى فوضعته في حجري، ثم خرجت أريد زوجي بالمدينة، وما معي أحد من خلق الله، فقلت أتبلَغ بمن لقيت حتى أقدَم على زوجي، حتى إذا كنت بالتنعيم لقيت عثمان بن طلحة بن أبي طلحة أخا بني عبد الدار، فقال لي إلى أين يا بنت أبي أمية؟ فقلت له أريد زوجي بالمدينة، فقال أَوَما معك أحد؟ فقلت لا والله إلاَّ الله وبُنيَّ هذا، فقال والله ما لك مِن مترك، فأخذ بخطام البعير فانطلق معي يهوي بي، فوالله ما صحبت رجلا من العرب قط، أرى أنه كان أكرم منه كان إذا بلغ المنزل أناخ بي، ثم استأخر عني.
إضافة تعليق جديد