بقلم / محمـــد الدكـــروري
اليوم : الأثنين الموافق 13 مايو 2024
الحمد لله برحمته اهتدى المُهتدون، وبعدله وحكمته ضلّ الضالون، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له لا يُسأل عما يفعل وهم يُسألون، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله، تركنا على محجّة بيضاء لا يزيغ عنها إلا أهل الأهواء والظنون، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم ثم أما بعد، إن مما يعين على الإستقامة ولزوم الطاعة، والبعد عن الإنحراف عن دين الله تعالى، وعن الصراط المستقيم هو تقوية العلاقة برب العالمين، فإن أعظم العبادة هي تقوية العلاقة برب العالمين عز وجل، وأن يرجو المرء ما عند الله عز وجل من الأجر والثواب العظيم، وأن يخاف مما عند الله تعالى من العذاب الأليم، والنكال الشديد، وأن يؤمن الإيمان المثمر يوم القيامة.
وقد قال النبي المصطفي صلى الله عليه وسلم " من كانت الدنيا همه، فرّق الله عليه أمره، وجعل فقره بين عينيه، ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب له، ومن كانت الآخرة نيته، جمع الله له أمره، وجعل غناه في قلبه، وأتته الدنيا وهي راغمة" وأن يعتبر المرء بحال الأشقياء ممن انحرفوا عن دين الله عز وجل، وما أحل الله بهم من عذابه الأليم، وانتقامه الأكيد، وأن ينظر إلى من مَنّ الله عليهم بالهداية والتوبة، بعد أن عاش في ضياع وبُعد عن الله عز وجل، ترك المعاصي وأقبل على الله تعالي بالإيمان والعمل الصالح، وكيف أذاقه الله عز وجل حلاوة الإيمان، وطمأن قلبه، وبسط نفسه، وأراح باله، وأن المعصية ولذتها وقت سريع الانقضاء، وبعدها إحراق وضيق، ووحشة وضنك.
وإياكم من التقليد والإنحراف الفكري، وإن هذه الحجة تكاد تكون مشتركة بين طوائف المعرضين عن الحق، في مختلف الأمم قديما وحديثا وهي شبهة الإحتجاج بما كان عليه الآباء والأجداد من العادات والدين، وأنهم ورثوا هذه العقيدة التي يدينون بها عنهم، وهي شبهة تتعلق بها نفوس المشركين، وهي حجة داحضة يلجأ إليها كل من يعجز عن إقامة الدليل على دعواه، ولقد كان أهل مكة سبب صدودهم عن دين الله تعالي هو تقديسهم لتراث أسلافهم، وتخيلهم أن في إسلامهم ومتابعتهم للرسول المصطفي صلى الله عليه وسلم، طعنا وإزراء منهم على آبائهم وأجدادهم وذما لهم، وهذا هو الذي منع أبا طالب وأمثاله من الإسلام، فإنهم استعظموا آباءهم وأجدادهم أن يشهدوا عليهم بالكفر والضلال.
وأن يختاروا خلاف ما اختار أولئك لأنفسهم، ورأوا أنهم إن أسلموا سفهوا أحلام أولئك، وضللوا عقولهم، ورموهم بالكفر والشرك، ويقول الإمام ابن الجوزي رحمه الله تعالي " ومن أقبح ما لبسه الشيطان عليهم، أي المشركون هو تقليد آبائهم من غير نظر في دليل" ومن ذلك الشرك، والبدع الجاهلية التي نبّه عليها القرآن الكريم، فالواجب عندهم تقليد ما شرعه لهم أسلافهم، وهو محترم ومعظم عندهم، لا يجوز رد شيء منه، أو المساس به، بل أن جوابهم كان لنبيهم لما أراد هدايتهم إلى طريق الهدى هو قولهم " حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا " وقد غفلوا عن المنهج القرآني في حضه على النظر والاعتبار، كما غفلوا عن المسئولية الشخصية التي يتحملها كل فرد عن نفسه.
وهذا التفهم والتبين، لا يكون إلا بالنظر في الأدلة وإستيفاء الحجة دون التقليد، لأن التقليد لا يثمر علما ولا يفضي إلى معرفة، وقد جاء النص بذم من أخلد إلى تقليد الآباء والرؤساء، واتباع السادات والكبراء ، تاركا بذلك ما ألزمه من النظر والاستدلال، وفرض عليه من الإعتبار والإجتهاد.
إضافة تعليق جديد