رئيس مجلس الإدارة   
            د/ نبيلة سامى                   

                                               

          صحافة من أجل الوطن 

              (  مجلة مصر )

                             ( أحدث إصدارتنا)

الاثنين 23 ديسمبر 2024 10:12 م توقيت القاهرة

الدكروري يكتب عن رمضان ما بين الإنتصارات والإنتكاسات

بقلم / محمـــد الدكـــروري
اليوم : الخميس الموافق 14 مارس 2024
الحمد لله ذي الجلال والإكرام حي لا يموت قيوم لا ينام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك الحليم العظيم الملك العلام، وأشهد أن نبينا محمدا عبده ورسوله سيد الأنام والداعي إلى دار السلام صلى الله عليه وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان، ثم أما بعد، ذكرت المصادر الإسلامية كما جاء في كتب الفقه الإسلامي الكثير والكثير عن شهر رمضان وعن المعارك وإنتصارات المسلمين في هذا الشهر المبارك، ومن الإنتصارات لعظيمة في ذلك الشهر المبارك هو الإنتصار في عزوة بدر الكبري، وكان العجب أن تقع هذه المقتلة العظيمة بين الفريقين والتى راح ضحيتها حوالي سبعون من صناديد وكفار قريش، والعجب أن يحدث كل ذلك في شهر يقضيه المسلمون صائمين قائمين، راكعين ساجدين، بل الأعجب أن هذا الصيام كان أول صيام فريضة يؤديها المسلمون في حياتهم.
وهم القوم الذين لم يعتادوا الصيام، بل لم يعرفوه من قبل، فالعرب الوثنيون لم يكن يخطر ببالهم أن هناك من العبادات ما يمتنع مؤديها عن الطعام والشراب طيلة اثنتي عشرة ساعة تقريبا فى الحر الشديد الذى كانوا يعانون منه أشد المعاناة، حتى إن كوبا من الماء البارد عندهم كان نعمة تستوجب الشكر والامتنان، وكان الصيام معروفا عند النصارى واليهود الذين كانوا بالمدينة، ولكن صورته كانت مختلفة عن صيام المسلمين، أما العرب الوثنيون فلم يكونوا يدرون عنه، ولا تعودوا على ممارسته، وربما كان من المسلمين من لم يصم من قبل، أو صام أياما قليلة من النوافل التى كان يحث عليها النبي صلى الله عليه وسلم، على سبيل الاستحباب لا الوجوب، أما الصيام مع الحرب فهذه كانت حالة جديدة على المسلمين، لم يعهدوها، ولكن يشاء الله عز وجل أن يتوافق الصيام مع القتال.
بل وينتصر المسلمون ويلحقوا بالمشركين هزيمة نكراء تتحدث عنها الدنيا إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، حيث ضرب فيها المسلمون أروع الأمثلة في الصبر والثبات والاستسلام لأمر الله تعالى، وإن من الأمور العجيبة أيضا أن دواوين السنة وكتب الأخبار لم تنقل إلينا ولو خبرا عن حالة واحدة من التأفف أو الانزعاج من قتال القوم أو الخروج للاستيلاء على عير قريش بسبب الصيام والحر والعطش، غاية ما فى الأمر أن البعض قد مال إلى عدم القتال بسبب عدم استعدادهم بالسلاح المناسب للقتال، فالقوم خرجوا لاسترداد ما استولى عليه المشركون من أموال المسلمين أثناء الهجرة وفقط، أما القتال فلم يعدوا له عدته، وإن هذه الغزوة العظيمة لهي حالة تستحق الدراسة، بل إن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم هم الجديرون بتلك الدراسة والتأمل.
كيف استطاعوا أن يحققوا هذه المعادلة الصعبة، ما بين صيام وعطش يمارسونه لأول مرة وبين حرب ضروس جمعت لها قريش حدها وحديدها من كل حدب وصوب، ولكنه الإيمان حين تخالط بشاشته القلوب، فإن شهر رمضان لم يشرعه الله عز وجل للقعود والتخلف عن ركب الجهاد والحركة والدعوة إلى الله، ولم يشرعه كذلك للتحجج به عن التفلت من الالتزامات الوظيفية أو الاجتماعية، بل إنه شهر نشاط وحركة، وفتوحات وانتصارات، فغالبية الهزائم التي لحقت بالشرك وأهله على أيدى المسلمين كانت في شهر رمضان المعظم، وهذا كاف لأن ينفض عنا غبار الكسل والدعة والخمول، ولكننا مع الأسف نلحظ في المسلمين حالة غريبة عليهم من تضييع الحقوق في رمضان، والتملص من أداء الواجبات، والهروب من المسؤوليات، بحجة الصيام.
ومقولة "إني امرؤ صائم" صارت فزّاعة يشهرها كل طالب أو موظف أو رب أسرة أو داعية متكاسل يود الهروب مما هو مكلف بأدائه من حق دراسته أو وظيفته أو أسرته أو دعوته، وتحول شهر الصيام في حس الكثيرين من شهر انتصارات إلى شهر انتكاسات، يُنام نهاره دفعا للشعور بالجوع والعطش، ويسهر ليله على المعاصي استعدادا للنوم فى النهار.

تصنيف المقال : 

إضافة تعليق جديد

CAPTCHA
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.