بقلم / محمـــد الدكـــروري
اليوم : السبت الموافق 16 مارس 2024
الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، كما يحب ربنا ويرضاه، أحمده تعالى وأشكره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة أرجو بها النجاة يوم نلقاه، يوم يبعثر ما في القبور ويحصّل ما في الصدور، وأَشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله صلى الله وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه وسلم تسليما كثيرا ثم أما بعد، لقد كانت حالة الطمأنينة الرائعة التي كان يعيشها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يشعر بمعية الله تعالى له ولصاحبه وهما في الغار، فلا يجل قلبه، ولا تهتز جوارحه بينما قوى الشر تجتمع بحدها وحديدها حول باب الغار، ومن الجميل أن نعرف أننا إذا استشعرنا هذه الحالة من الرضا بقدر الله، والاطمئنان لقضائه سبحانه، فإنه يكافئنا بالمزيد من الطمأنينة والسكينة وهذا ما عرفناه من قراءة الآيات الخاصة بهذا الموقف.
فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للصديق رضي الله عنه كما تصور الآيات " لا تحزن إن الله معنا" ثم قال تعالى وهو يصف ما حدث "بعد" هذا القول "فأنزل الله سكينة عليه" فالسكينة التي أنزلها الله تعالى زائدة على السكينة التي كانت موجودة بالفعل في قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي هدية من الله تناسب العمل القلبي الذي قدمه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالجزاء من جنس العمل، ولقد قال تعالى في كتابه "لئن شكرتم لأزيدنكم" فكان هذا هو الوضع داخل الغار، فماذا عن خارجه؟ فلقد قطع المشركون طريقا طويلا صعبا حتى يصلوا إلى هذه النقطة، وها هم يرون أن آثار الأقدام قد انتهت أمام فتحة باب الغار، فماذا يتوقع منهم الآن؟ وإن المتوقع الذي لا ريب فيه هو النظر داخل الغار لرؤية من بداخله، وكم ستأخذ منهم هذه النظرة؟
إنها دقيقة واحدة، وربما ثوانى معدودات، ولا شك أنهم قد أخذوا ساعات طويلة حتى يصلوا إلى هذا المكان، فلماذا لا يطأطئ أحدهم رأسه لينظر نظرة سريعة داخل الغار؟ فهذا هو المتوقع لكنه لم يحدث، فإن الله تعالى ألقى في روعهم ألا ينظروا إلى داخل الغار، وقد قال ابن عباس رضي الله عنهما "فاقتصوا أثره فلما بلغوا الجبل خلط عليهم فصعدوا فى الجبل فمروا بالغار، فرأوا على بابه نسج العنكبوت، فقالوا لو دخل ها هنا لم يكن نسج العنكبوت على بابه، فمكث فيه ثلاث ليالى" وهذا الحديث وإن كان ضعيفا من كل طرقه فإن كثرة طرقه يقوّي بعضها بعضا فترفعه إلى درجة الحديث الحسن، أما قصة الحمامتين وقصة الشجرة التي نبتت على باب الغار فهي قصص ضعيفة جدا لا تصح، وأنه حتى ولو لم تصح قصة نسج العنكبوت فهذا إعجاز من رب العالمين.
إذ كيف لا ينظر الناس داخل الغار مع كونه مفتوحا؟ فسواء نسجت العنكبوت خيوطها أو لم تنسج فهذا دفاع من رب العالمين، والنتيجة واحدة، وهى نجاة الرسول صلى الله عليه وسلم، وصاحبه الصديق رضي الله عنه من هذه المطاردة المكثفة، وتبقى الحقيقة التي لا جدال فيها وهي أن الله يفعل ما يريد، وقد مكث الرسول صلى الله عليه وسلم في الغار ثلاثة أيام كما كان مقررا في الخطة المرسومة، وحان وقت الرحيل إلى المدينة، وجاء الدليل عبد الله بن أريقط بالناقتين في الوقت المتفق عليه، وجاء بناقة ثالثة له، وجاء معه عامر بن فهيرة رضي الله عنه ليرافق الركب المهاجر إلى المدينة.
إضافة تعليق جديد