بقلم / محمـــد الدكـــروري
إن الخليفة العباسي هارون الرشيد عندما الخطر الشيعي يزحف نحوه مع مجموعة من الدول الصغيرة التي تكونت مثل دولة الأمويين بالأندلس، والدولة الرستمية فى الجزائر، والدولة الإدريسية العلوية فى المغرب الأقصى، فقرر أن يتخذ سدا منيعا يحول دون تسرب الخطر الشيعى، ولم يرى إلا عاصمة إفريقية قادرة على ذلك، فأعطى لإبراهيم بن الأغلب الاستقلال فى النفوذ وتسلسل الإمارة في نسله، وقامت دولة الأغالبة كوحدة مستقلة ومدافعة عن الخلافة، وقد كانت دولة الأغالبة هذا الدرع المنيع أيام استقرارها، ونجحت في ضم صقلية إلى ملكها، وقام أمراؤها الأوائل بأعمال بنائية ضخمة فى القيروان ذاتها ومنها توسيع الجامع فى القيروان، وتوسيع الجامع فى تونس، كما عمل الأغالبة على الاهتمام بالزراعة والرى فى المنطقة، وأقاموا الفسقية المشهورة.
وقد استغل الأمراء الأغالبة تلك المكانة واتخذوها سلاحا يهددون به عاصمة بغداد فكلما هم خليفة من خلفائها بالتقليل من شأن الأمراء الأغالبة أو انتقاص سيادتهم، وهذا ما فعله زيادة الله بن الأغلب مع الخليفة المأمون العباسى، فقد أراد هذا الأخير إلحاق القيراون بولاية مصر، وطلب من زيادة الله أن يدعو لعبد الله بن طاهر بن الحسين والي المأمون على مصر فأدخل زيادة الله رسول المأمون إليه، وقال له إن الخليفة يأمرنى بالدعاء لعبد خزاعة، وهذا لا يكون أبدا ثم مد يده إلى كيس بجنبه فيه ألف دينار ودفعه للرسول، وكان فى الكيس دنانير مضروبة باسم الأدارسة في المغرب، ففهم المأمون مقصد الأمير الأغلبى فكف عن محاولته ولم يعد إليها، وبسبب هذه المكانة فقد عمل على التقرب منها أكبر ملك في أوروبا إذ بعث الإمبراطور شارلمان بسفرائه.
إلى إبراهيم بن الأغلب فقابلهم في دار الإمارة بالعباسية في أبهة عجيبة بالرغم من الصلات الودية التي كانت بين هذا الإمبراطور والخليفة العباسى هارون الرشيد، ويعد مسجد القيروان الذى بناه عقبة بن نافع عند إنشاء المدينة من أهم معالمها عبر التاريخ، ولقد بدأ المسجد صغير المساحة، بسيط البناء، ولكن لم يمض على بنائه عشرون عاما، حتى هدمه حسان بن نعمان الغسانى، وأقام مكانه مسجدا جديدا أكبر من الأول، وفى عهد الخليفة هشام بن عبد الملك أمر بزيادة مساحته، وأضاف إليه حديقة كبيرة فى شماله، وجعل له صهريجا للمياه، وشيد مآذنه، وفي عام مائة وخمس وخمسون من الهجرة أعيد بناؤه على يد يزيد بن حاتم، وظل على حاله هذه إلى أن تولى زيادة الله بن إبراهيم بن الأغلب إمارة إفريقية عام مائتان وواحد فزاد فيه.
ولقد سارت التوسعات في العصور المختلفة حتى أصبح يشغل اليوم مساحة مستطيلة تتراوح أضلاعها ما بين سبعين إلى مائتان واثنين وعشرين مترا، ويعتبر جامع القيروان من أقدم مساجد المغرب الإسلامى والمصدر الأول الذى اقتبست منه العمارة المغربية والأندلسية عناصرها الزخرفية والمعمارية، وكما كان هذا المسجد ميدانا للحلقات الدينية والعلمية واللغوية التى ضمت نخبة من أكبر علماء ذلك العصر.
إضافة تعليق جديد