الحمد لله وكفى والصلاة على النبي المصطفى ومن بآثاره اقتفى، وبعهد الله وفى، وسلام على عباده الذين اصطفى، وبعد إن النجاح في الحياة له خطوات ثابته تصل إليه، وإن المؤسسات الأفضل هي التي تكون قادرة على الإبتكار والتجديد على أساس نام ومتطور، وكما أن المدراء الأفضل هم الذين يكونون قادرين على مساعدة الأفراد والإستفادة من مواهبهم الإبداعية، وعلى هذا فإنه ينظر إلى الإبتكار على أنه عملية إيجاد وخلق الأفكار الجديدة ووضعها في الممارسة الصحيحة ونعني بها، أن تحدد طرقا لعرض الأفكار والخطط بحيث تقنع الآخرين، وإيجاد أفكار جديدة تساعد المؤسسة على أن تكون في وضع أفضل، كما تكون بدرجة من المنطقية والتوازن بحيث تلقى التجاوب الأمثل من العاملين والمدراء وتحفزهم لإستثمار قدراتهم ومواهبهم لتحقيق الأهداف.
وهذا ما يستدعي التأكيد على أهمية إستثمار الأفكار البناءة لدى الفرد في تحريك مواهب الآخرين ومهاراتهم بشكل يخدم الجميع وهذا ما لا يتمّ إلا إذا توفرت المقومات الأساسية للإبتكار وإرتفعت معرقلاته، وتتلخص مقومات الإبتكار في عدة أمور من أهمها هو الإنتماء الروحي للمؤسسة، ونعني به شدة الإرتباط بالمؤسسة حتى تصبح مهامها جزءا من مهام الفرد نفسه فيصيبه ما يصيبها من نفع ومن ضرر، وإن الشعور بالإنتماء الروحي للجماعة أو المؤسسة هو شعور جميل إذا كان متوافقا مع الحق والمنطقية وهو الذي يساهم في الإبداع أما إذا صار هذا الشعور نوعا من التعصب والتحزب فهو أمر يعود معكوسا وينقلب إلى الضرر أكثر من النفع، ويعتبر الشعور الوطني العميق في نفوس المواطنين من أهم الدوافع نحو الإبداع والخلاقية في زمان السلام، والدفاع والحماية.
والتفاني في زمان الحرب وهو الآخر نوع من الإبداع والخلاقية، وهكذا الأمر يصح في الإنتماء القوي للأسرة والجماعة، فالشعور الشديد بالإنتماء يساهم مساهمة كبيرة وفعالة في دفع الأفراد نحو الإبتكار والخلاقية، وعلى سبيل المثال تعد اليابان مجتمعا ومؤسسات مثالا حيا لهذا المفهوم فقد تمكنت اليابان من الإستفادة من هذه القيمة الإنسانية وتسخيرها في زيادة إخلاص الفرد أيا كان موقعه في العمل فتمكنت أن تحظى بقمة في التقدم الصناعي والتقني في فترة قياسية بعد الحرب العالمية وبعد أن حطمتها القنابل الذرية الأميركية، وعلى العكس من ذلك فإن الشعور باللامبالاة يفسر تخلف الكثير من الدول النامية حيث لا يفكر الفرد إلا بالطرق التي تمكنه من تحقيق رغباته وطموحاته الشخصية على حساب المؤسسة التي يعمل فيها والدائرة التي ينتمي إليها.
ومن الواضح أن هذا ليس ذنب الأفراد بل ذنب أنظمة الحكم السائدة في تلك الدول، لأن الديكتاتورية المستشرية في العالم النامي والثالث تعلم أبناءها على المصلحية والأنانية الفردية وتجعل الانتماء الوطني فيهم أضعف من الإنتماء للذات وذلك لأن الديكتاتورية تحول البلد والشعب إلى بستان يملكها الحاكم ويجبي خراجها وأكلها كل حين من أجل نفسه وأفراده وأسرته ويجعل الآخرين تحت وطأة التخلف والفقر والأزمات، ومن المعلوم أن هذه العقلية والمفهوم تضعف من حس الإنتماء الشديد للوطن في مقابل الإنتماء للنفس فيصبح منطق الأنانية والمصلحية فوق الجميع، جعلني الله وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله، وأولئك هم أولوا الألباب.
إضافة تعليق جديد