رئيس مجلس الإدارة   
            د/ نبيلة سامى                   

                                               

          صحافة من أجل الوطن 

              (  مجلة مصر )

                             ( أحدث إصدارتنا)

الأحد 23 نوفمبر 2025 1:36 م توقيت القاهرة

الطب النفســى بالقرأن والرواية

الطب النفســى بالقرأن والرواية
بقلــــم الأديب المصــــرى
د.طــارق رضـــوان جمعة
أخا السهد والنجوى إذا الليل أظلما
يقول حبيبي أنت سؤلي وبغيتي
كفى بك للراجيـن سـؤلاً ومغنما
ألست الـذي غذيتني وهديتني
ولا زلت مناناً علـي ومنعما
عسى من لـه الإحسان يغفر زلتي
ويستـر أوزاري وما قـد تقدما (الإمام الشافعــى)
يقول الله تعالى: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آَيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى * وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآَيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآَخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى)
لقد كتبت فى مجالات أدبية وإجتماعية وسياسية وغيرها. إلا أننى أردت بمقالى هذا أن أغوص فى عالم الشباب لأرى بعض من مشاكلهم وبالوقت نفسه أخاطب جيلى وأجيال مختلفة الأعمار. فبنظرة فاحصة لما يدور حولى من أراء ومعاناة البعض من الأصدقاء على شبكات التواصل الإجتماعى وأبرزها الفيس بوك ،أجد أن هناك حالة مخيفة من الإكتئاب تسيطر على الجميع. والغالبيه يدعوا الله جهرة مستغيثاً به أن يرفع عنه البلاء.وقد صارت شبكات التواصل الإجتماعى مثل الفيس بوك متنفس لأمراض نفسية يأبى الجميع الأعتراف بها. لست ضد هذا فلهذا جعلت شبكات التواصل الإجتماعى من مشاركة وجدانية وصداقات إجتماعية، ولكنى ضد الإفراط فى هذا. ولقياس مدى إعتدال هذا أو الإفراط فيه، فالأمر نسبى من شخص لأخر ولا يوجد مقياس محدد سوى التقاليد والأعراف المعهوده. السعادة ايضا شىء نسبى فما يسعدك قد لا يسعد غيرك.وهنا العجب ممن صنعوا وزارة للسعادة ؟!
المريض النفسي أكثر إنسانية من غيره. المريض النفسي كان يتم تصويره بالروايات والسينما بأنه قليل الأدب ، و معموله عمل ، و مجنون ، و كانت تتم الإساءة لهم بشكل كبير ، و فهم يعانون من أكثر إعاقة ، تمنع الإنسان من العمل ، لأن بقية الأمراض مثل " السكر و الضغط " لا تمنع صاحبها من الذهاب للعمل.فيا لها من فئة تستحق الإحتواء والرعاية.
وجدت كناقد أدبى أو على الأقل كأديب أن هناك علاقة تكامل بين الأدب والطب النفسى.فما علاقة الأدب بالطب النفسى.؟هناك إدراك متزايد من قبل المشتغلين فى مجال ا لطب النفسى بأنه إذا أريد له أن يتقدم أن يتحالف مع علم الأعصاب وعلم البيولوجيا وعلم الإجتماع والأنثروبولوجيا.فالعلماء متزمتين وملتزمين بالقوانين ،بينما الفلاسفة متحررون منها.والطبيب النفسى بحكم عمله وعلمه يفرض نفسه حكماً على الحالات المرضية فى الأفراد، ويصدر تشخيصات وعلاجات وتقارير وليس فى ذلك حرج. قالطب النفسى يتمتع بنفس الهيبة العلمية التى تتبجح بها بقية العلوم والطبيب النفسى يستطيع أن يجمع بين صفتى عالم يصف العقاقير ومستمع يمارس التطبيب.
لكن الدراسات العلمية تختلف بالطبع عن الدراسات الإنسانية. والطب النفسى يتميز بأنه محايد لا يميل إلى أحد الجانبين أوكلاهما.فللعلم مقياس كمى وموضوعية صارمة وانتخاب للظواهر وتجريبها وإمكانية تكرارها وقياسها. أما المنظور الفكرى الإنسانى مثل الأدب والفلسفة فيتبع القياس الكيفى، ولدية عناصر نسبية متغيرة، وموضوعيتها ليست صارمة، ونتائجها تفتقد غلى الجزم والقطع والثبات.
وبالنظر إلى الطب النفسى تجد أنه علم ومولود جديد،فليس به حتى الأن نظرية قاطعة ولا منظومة إصلاحية متفق عليها. وحتى علم الأعصاب الذى يزعم البعض أنه أساس الطب النفسى، ما زالت نظرياته نامية، ولا تجيب على كل التساؤلات مقارنة ببقية العلوم. لذلك يذكر مارتن هايدغر"أن العلم لا يفكر". ويقول ستيفن هوكينغ "أن الفلسفة ميتة".
جل ما فى الأمر أن الأدب أثر كثيراً فى تطور النظريات النفسية والعكس صحيح. وكلاهما من الفنون اللغوية.وقراءة الأدب قد تكون تدريباً جيداً للطبيب النفسى.فالأدب يساعد المريض على أن يتذكر ماضيه وينسج الأحداث، ومن خلال السرد يحاول أن يعثر على معنى لحياته وللطرق المسدودة التى واجهها مرة أثر أخرى.
وحاول فرويد تاسيس مدرسة للنقد الأدبى والنفسى لكى يبرز الأمراض النفسية ضمن الأعمال الأدبية. فقد تاثر بأعمال شكسبيرزوكذلك أستفاد الأدباء والفلاسفة من أبحاث فرويد وأظهر المحلل النفسى أدم فليبس الطب النفسى على أنه نوع من الأدب التطبيقى.فهو يحاول دائما حل مشكلة ما أو علاج شخص ما، وهذا هو الأدب بعينه ومهامه. فالطب النفسى يتيح الفرصة للشخص أن يتحدث عن نفسه فهو متنفس لمن لا يمكنه كتابة الشعر أو القصة ليعبر عما بداخله من مشاعر.
فالأدب يساعدنا على إستكشاف طرق إنسانيتنا، ويهبنا إقتباسات من حياة وراء حدود حياتنا، وينمى تعاطفنا مع الأخرين ويهدا توترنا، ويوسع دائرة وعينا. بل إن الوعى الأدبى يعزز من ممارسة الطب. هنام تواز بين الطب النفسى والأدبى ودورهما فى حياة الفرد.فمن الأفضلأن يكون الطبيب النفسى أديباً حتى يمكنه النظر إلى الفرد فى سياق حالته النفسية المصغرة وحالته الإجتماعية الأوسع.
وأكدت دراسة علمية أن الإيمان بالله عز وجل والمحافظة على الصلاة وأداء الزكاة والصدقات وصوم رمضان والعمرة والحج وقراءة القرآن الكريم، علاج فاعل لكل الأمراض النفسية التي قد تصيب الإنسان. فأبرز الأمراض النفسية هي: القلق، الاكتئاب، الوسواس القهري، الصداع، الخوف من المرض، الأرق.
يقول وليام سومرست: "إنّ جعل القراءة عادة، هي تقريبًا كبناء ملجأ لك من كل مآسي الحياة"
الانغماس في عالم روايةٍ ما والإنقطاع عن المحيط لا يقتصر فقط على المتعة والتسلية التي يقدمها الكتاب، ولكن الأمر سيصل إلى علاج بعض الإضطرابات والخروج من دوامة الأمراض النفسية والروحية.
فاستخدام الأدب كعلاج للأمراض النفسية يقال أنه ظهر في عصر الفراعنة والإغريق، فقد وُجد نقش عبارة "بيت الشفاء من أجل الروح" على بوابة أقدم مكتبة موثقة وهي مكتبة الفرعون رمسيس الثاني في الألفية الثانية قبل الميلاد، وقد انتقلت هذه الفكرة من حضارة إلى أخرى عبر الزمن، وقد اعتبر الفيلسوف أرسطو أن الأدب والقراءة لهما فوائد علاجية، و يوفران الشفاء لعقول البشر، حتى توالت الإنتقالات ووصلت إلى العصر الحديث حيث ذكر ويليام شكسبير في مشاهد إحدى مسرحياته عبارة: "هلمّ واختر ما تشاء من مكتبتي، وأهلِك حزنك.."، وفي عام 1802 قال «بنيامين راش» -وهو أب الطب النفسي الأمريكي- في محاضرة له: "من أجل تعليم المرضى وتسليتهم في المستشفى، يجب أن تكون المكتبة جزءًا من أثاثها"،
اكتشف علماء الأعصاب فوائد عدة يجنيها الدماغ من قراءة الأدب، فقد أُجريت دراسة حديثة في جامعة «إيموري» في أتلانتا، وجد الباحثون كيف أن للرواية القدرة على التطوير من ترابطية الدماغ، وتمكننا من إدراك الأشياء بشكلٍ أفضل ويمكن للروايات أيضًا أن تحسن من ثقة الإنسان بنفسه، وللأدب الروائي الجيد القدرة على أن يضعك بطريقة مجازية مكان شخصٍ آخر، والتي يمكن بالفعل أن تغير سلوك القارئ، كما قال عالم الأعصاب وأستاذ الطب النفسي في جامعة إيموري البروفسور «غريغوري بيرنز»، وهو الباحث الرئيسي لهذه الدراسة: "إن القدرة على وضع نفسك مكان شخص آخر يحسن نظرية العقل".
وعند قراءة روايةٍ ما، تم تسجيل عدة تغييرات ناتجة في الفص الصدغي الأيسر -وهي منطقة من الدماغ مرتبطة بتقبل فهم اللغة- وكذلك أيضًا في المنطقة الحسية الرئيسية للدماغ، وتقوم الخلايا العصبية في هذه المنطقة بخداع العقل بأن تجعله يعتقد أنه يقوم بفعل شيءٍ وهو ليس كذلك، وتعرف باسم ظاهرة "الإدراك المتجسد".
ومثال على هذه الظاهرة، أنه بمجرد تخيلك أنك تلعب كرة السلة، يمكنه تنشيط الخلايا العصبية المرتبطة بالحركة الجسدية أثناء لعب كرة السلة. وقد نشرتا «إلا برثود» و «سوزان إلدركن» -وهما باحثتان من جامعة كامبريدج- عام 2013 كتابًا عنوانه "العلاج بالرواية: فمثلًا يقترح الكتاب أن رواية "صورة سيدة" للكاتب هنري جيمس مرهمٌ لعلاج أسباب القلق، واذا كنت ممكن يلاحقهم هاجس الموت وتعاني الخوف من الموت المفاجئ فيُقترح عليك الكتاب قراءة رواية "مئة عام من العزلة" للكاتب غابرييل ماركيز.
نصائح تتعلق بما يجب قوله وفعله أثناء الوجود مع المريض النفسى:
1- يجب البقاء هادئا مع المريض وتجنب اللغة السلبية.
2- تجنب المجادلة معه.
3- دع المريض يخبرك قصته إن توفرت الفرصة والوقت لذلك.
4- كن لطيفا معه، فالناس اللطيفون يؤسسون السلام، وهم أقوياء بما يكفي ليظلوا هادئين
قال الشافعي في حسن الأخلاق وما يفيد فى الصحه النفسية للفرد:
لَمَّا عَفَوْتُ وَلَمْ أحْقِدْ عَلَى أحَدٍ
أرحتُ نفسي من همَّ العداواتِ
إنِّي أُحَيي عَدُوِّي عنْدَ رُؤْيَتِهِ
لأدفعَ الشَّرَّ عني بالتحياتِ
وأُظْهِرُ الْبِشرَ لِلإِنْسَانِ أُبْغِضهُ
كما إنْ قدْ حَشى قَلْبي مَحَبَّاتِ
النَّاسُ داءٌ وَدَواءُ النَّاسِ قُرْبُهُمُ
وفي اعتزالهمُ قطعُ المودَّاتِ
وختاما دمتم بخير أحبابى
يتبـــع

تصنيف المقال : 

إضافة تعليق جديد

CAPTCHA
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
19 + 1 =
Solve this simple math problem and enter the result. E.g. for 1+3, enter 4.