المؤامرة ............الجزء التاسع
.
كان الحوار مع الإسلاميين، خاصة من أطلق عليهم «المعتدلون»، فى منطقة الشرق الأوسط، فى إشارة واضحة للتنظيم الدولى للإخوان، هو الشغل الشاغل للأمريكان والأوروبيين طوال السنوات الخمس التى سبقت ٢٥ يناير ٢٠١١، ذلك لاستغلالهم كحصان طروادة لاختراق المنطقة.
.
فقد انهالت التصريحات والتسريبات الصحفية لرجال السياسة، الأمريكيين والغربيين، على المنطقة فى تلك الفترة؛ بشأن الرغبة فى الحوار مع الإسلاميين «المعتدلين»، فمن «كونداليزا رايس» وزيرة الخارجية الأمريكية، إلى «ريتشارد هاس»، مخطط السياسة الخارجية الأمريكية، وصولا إلى المتحدثين الرسميين ومبعوثى «الاتحاد الأوروبى»، جاءت الرسائل حاملة مضمونا واحدا يوحى بترسخ قناعة أوروبية وأمريكية بضرورة الحوار مع القوى الإسلامية.
.
التقط عدد كبير من المحللين السياسيين العرب والمصريين هذه القضية باهتمام بالغ، و الكل كان منصرفا إلى زاوية النتائج التى يمكن أن تترتب على مثل هذا الحوار، وتأثيره على المعادلات السياسية القائمة فى المنطقة ,فيما لم يتوقف أحد ليناقش فحوى الرسائل الأمريكية والأوروبية بدقة .
.
فاللافت للنظر فى كل هذه الرسائل هو حديثها الواضح عن ضرورة وضع شروط لمثل هذا الحوار، فقد شدد الاتحاد الأوروبى فى بيانه على ضرورة «وضع معايير لمثل هذا الحوار»، مشيرا إلى «أن الحديث مع جماعات تتبنى أحكام الشريعة الإسلامية ولها وجهات نظر محافظة للغاية بشأن دور المرأة فى المجتمع سيكون موضوعا بالغ الحساسية سياسيا فى بعض دول الاتحاد الأوروبى»، وكذلك فعل ريتشارد هاس مخطط السياسة الخارجية الأمريكية عندما قال: إن «الولايات المتحدة سوف تساند العمليات الديمقراطية حتى إذا كان الذين منحوا السلطة لا يختارون سياسات نحبذها»، فى إشارة إلى الإسلاميين، لكنه شدد على «أن علاقات الولايات المتحدة مع تلك الحكومات -حتى لو انتخبت بنزاهة- سوف تتوقف على كيفية معاملة هذه الحكومات مع شعوبها، وكيفية تصرفها على المسرح الدولى بقضايا الإرهاب، والتجارة الحرة، وعدم انتشار المخدرات» الغريب أن هاس ومجموعته لم يستطيعوا، أمام الأطماع الأمريكية أن يعملوا تلك الضوابط، وقبلوا بأنظمة تدعم الإرهاب، وتعامل شعوبها وفق عمليات إقصاء منظمة، وقتل وترويع.
.
فاصبحت كل الرسائل الأمريكية والأوروبية الموجهة إلى المنطقة ما هى إلا رسائل مزدوجة، قُصد بها الطرفان (الحكومة والإسلاميون) فى آن واحد، فواشنطن من جهة تدفع الأنظمة الحاكمة إلى التمسك بالعلاقة معها وتنفيذ رغباتها لكى تهرب من استحقاقات الإصلاح، وهى الرغبات التى تؤدى إلى مزيد من الحنق الشعبى وتدفع باتجاه الصدام، ومن جهة أخرى تقدم إغراء للحركات الإسلامية، لكى تسعى بدورها لتقديم مزيد من التنازلات لاستخدامها -فيما بعد- كحصان طروادة لاختراق المنطقة، وذلك بعد إضعاف الأنظمة الحاكمة بها، وتكبيلها بمزيد من التنازلات التى تقدم كل يوم للأمريكان.
.
ولكن يبقى السؤال: كيف يمكن أن تحقق أمريكا، هذه الاستراتيجية دون إجراء حوار مباشر مع الإسلاميين يتخذ مراحل عديدة، ويستمر لسنوات طويلة، حتى تضمن الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها من الأوروبيين الولاء التام لتلك الحركات، والاستعداد الكامل للسير فى المخطط حتى نهاياته.
.
كانت أمريكا -وقتها- تعلم أن عملية «تطويع الإسلاميين» وبمثل هذه الطريقة التى ترغب بها ستستغرق وقتا طويلا، وظنى أن تلك الرسائل المزدوجة، أو قل اللعبة الأمريكية التى استمرت لفترة طويلة، هى التى أسهمت فى تحقق الرؤية الأمريكية، حول ما أطلقت عليه كونداليزا رايس بـ(الفوضى الخلاقة).
ترجع جذور العلاقة بين جماعة الإخوان والإدارة الأمريكية إلى منتصف الخمسينيات فى أعقاب حل الجماعة وهروب عدد من عناصرها إلى المملكة العربية السعودية ودول الخليج، الأمر الذى دفع الإدارة الأمريكية إلى الإيعاز لهم بتكوين جيش يتم تدريبه على أيدى القوات الأمريكية المرابطة بالخليج لحماية شركات البترول الأمريكية، تمهيدًا لإسقاط الحكم فى مصر، حيث تم تكوين جيش قوامه عشرة آلاف جندى، تم تدريبه فى عدة دول عربية، كانت تعادى نظام عبد الناصر الاشتراكى فى مصر آنذاك، إلا أن وفاة الرئيس جمال عبد الناصر حالت دون استمرار ذلك الجيش.
.
نجحت الإدارة الأمريكية فى التعرف على حقيقة جماعة الإخوان منذ تلك الفترة، وقامت بوضع استراتيجية للتعامل مع تلك الجماعة، وفقا لمتطلبات المصالح الأمريكية، حيث أمكن تقسيم المراحل التى مرت بها تلك العلاقة على النحو التالى:
أولًا: خلال النصف الثانى من القرن العشرين
-------------------------------------
أسهم الدعم الأمريكي الذى قدم للجماعة بداية من عام ١٩٨٢، فى تأسيس عدد من المراكز الإسلامية بالمدن والعواصم الأوروبية، تلك التى مثلت فيما بعد نواة التنظيم الدولى للإخوان الذى أسسه المرشدان السابقان: «مصطفى مشهور، ومحمد مهدى عاكف»، وأُشهر رسميا فى مايو من عام ١٩٨٢.
.
فى أعقاب تولى مهدى عاكف، المرشد الأسبق للجماعة، مسئولية قسم الاتصال بالعالم الخارجى فى نهاية الثمانينيات، قام بتكوين شبكة علاقات عالمية واسعة مع غالبية الحركات والتيارات الإسلامية، وضم الكثير منها إلى التنظيم الدولي، مثل: حزب الرفاة فى تركيا، والحزب الإسلامى فى ماليزيا، والجماعة الإسلامية فى باكستان، الأمر الذى أدى إلى اهتمام الإدارة الأمريكية بالدور الذى تلعبه جماعة الإخوان فى القضاء على الاتحاد السوفييتى من خلال الحرب فى أفغانستان
.
حيث شهدت تلك الفترة تزايد معدلات الاتصالات الأمريكية مع الرموز الإخوانية على الصعيدين الداخلى والخارجي، تمثل أبرزها فيما يلى:
- اتصل الأمريكى لورانز، المستشار بالقسم السياسى بالسفارة، خلال عام ١٩٨٠، بالمرشد العام للجماعة آنذاك عمر التلمساني، وطلب توسطه لدى السلطات الإيرانية للإفراج عن الرهائن الأمريكيين، إلا أن تلك الوساطة باءت بالفشل بعد تصريح المسئولين الإيرانيين فى إذاعة طهران برفضهم تلك الوساطة.
- توجه عصام العريان إلى أمريكا عقب تحالف الجماعة مع حزب الوفد، استعدادا لخوض الانتخابات عام ١٩٨٤ وإبلاغه قيادة الجماعة بعد عودته، أن الإدارة الأمريكية ترى أن الأمور لن تستقيم فى مصر إلا بعد وصول قيادات حزب الوفد للسلطة ومعهم الإخوان، باعتبار حزب الوفد، أقرب الأحزاب المصرية للرؤية الغربية.
- إشارة عمر التلمسانى خلال اجتماع عقد بمقر الجماعة بتاريخ ١٥/٩/١٩٨٦ إلى اعتزام الإدارة الأمريكية دعم التيارات الدينية من خلال الجمعيات الخيرية عن طريق سفارتها بالبلاد.
- دعوة بعض الرموز الإخوانية لزيارة الولايات المتحدة الأمريكية والالتقاء ببعض مسئولى وزارة الخارجية وأعضاء الكونجرس خلال عام ١٩٨٨.
- تردد عناصر المخابرات بالسفارة الأمريكية على مقر الجماعة، والتقاؤهم بقياداتها، وعقدهم لقاءات مع العناصر الإخوانية ببعض النقابات المهنية التى يسيطرون عليها بدعوى إجراء أحاديث صحفية.
- تقديم القسم السياسى بالسفارة بعض الهدايا للقيادات الإخوانية بمناسبة رأس السنة الميلادية، وإهداء المرشد العام عمر التلمسانى سيارة فاخرة خلال إحدى سفرياته لأمريكا، والتى أشاع أنها أُهديت له من قبل الجناح الإخوانى بأمريكا.
.
فى أعقاب الضربات الأمنية والقانونية التى وُجهت لقيادات الجماعة وإحالتهم للمحاكم العسكرية عام ١٩٩٥ أصدر السفير الأمريكى بالقاهرة تعليمات لدبلوماسى القسم السياسي بالسفارة، بتجميد اتصالاتهم مع العناصر الإخوانية، وعدم التردد على مقر الجماعة، فتوقفت الاتصالات إلى حين.
.ثانيا: خلال الألفية الجديدة
-------------------------
فى بداية الألفية الجديدة عاودت السفارة الأمريكية اتصالاتها بقيادات ورموز الجماعة بالبلاد عقب حصول مرشحى الجماعة على عدد ١٧ مقعدا فى انتخابات مجلس الشعب عام ٢٠٠٠، وهدوء موجات الغليان التى أعقبت أحداث الحادى عشر من سبتمبر؛ حيث لجأت الولايات المتحدة الأمريكية لتحسين صورتها وعلاقاتها داخل العالم الإسلامي، وتبلورت أبرز مظاهر تلك الاتصالات فيما يلى:
.
- سعى محمد مرسى العياط للالتقاء بالسفير الأمريكى بالبلاد عقب أحداث ١١ سبتمبر ٢٠٠١، لإبلاغه رفض الجماعة للعمليات الإرهابية.
- اضطلاع سعد الدين إبراهيم خلال فترة سجنه بفتح قنوات اتصال مع بعض العناصر الإخوانية المحكوم عليهم، وقيامه بتنظيم لقاء شارك فيه أعضاء البعثات الدبلوماسية الأجنبية فى البلاد «السويد – سويسرا – بريطانيا – هولندا – كندا»، بمقر النادى السويسرى بالجيزة، تحت زعم رغبة أعضاء السلك الدبلوماسى الأوروبى فى التعرف على حقيقة أفكار الجماعة، ومدى قناعتهم بالنظام الديمقراطي، وإمكانية تحولهم إلى حزب سياسي؛ حيث كانت تلك اللقاءات بمثابة سيناريو وضعته الجماعة من أجل فتح قنوات اتصال مع أمريكا لإقناعها بالتعاون معها على غرار التعاون القائم بين أمريكا والأحزاب الإسلامية فى تركيا وآسيا، بالإضافة إلى تلافى إدراج اسم جماعة الإخوان على قائمة المنظمات الإرهابية.
- التقاء الأمريكية Diane Kelly، سكرتيرة القسم السياسى بالسفارة الأمريكية، والمتخصصة فى متابعة نشاط جماعة الإخوان بمصر، بالإخوانى صلاح عبد المقصود عام ٢٠٠٢، الذى أكد لها أن الجماعة تكن مودة عميقة للولايات المتحدة الأمريكية، وطلب منها توجيه الدعوة لقيادات الجماعة لاستعراض توجهاتهم أمام الكونجرس الأمريكى.
- دعوة بعض نواب الإخوان لحضور حفل الاستقبال الذى أقامه نائب السفير الأمريكى بمنزله فى ٢٩/٣/٢٠٠٣ بمناسبة زيارة مسئول وزارة الخارجية الأمريكية فى شمال إفريقيا والشرق الأوسط للبلاد.
- مشاركة محمد مرسى العياط، رئيس الهيئة البرلمانية للجماعة آنذاك، فى الملتقى السنوى لمسلمى سويسرا الذى عُقد بمدينة برن بتاريخ ١٣/١٢/٢٠٠٢، حيث التقى خلاله بالسفير البريطانى وسكرتير أول السفارة الأمريكية، كما وجهت إليه دعوة لحضور الاحتفال الذى نظمته السفارة بمناسبة زيارة وزير الاقتصاد والشئون السياسية الأمريكى للبلاد بتاريخ ٣٠/١/٢٠٠٣.
التقاء محمد مرسي العياط خلال احتفال السفارة الهندية بالبلاد بذكرى قيام الجمهورية الهندية فى ٢٦/١/٢٠٠٣ بالملحق السياسى بالسفارة الأمريكية، الذى استفسر منه عن موقف الجماعة إزاء القضيتين الفلسطينية والعراقية.
- وجهت الجامعة الأمريكية بالقاهرة عددا كبيرا من الدعوات لقيادات إخوانية، للمشاركة فى المؤتمرات التى عقدتها مؤسسات أمريكية عديدة ببعض الدول العربية خلال الفترة من ٢٠٠٤ إلى ٢٠٠٦، وبخاصة فى كل من، «الكويت – اليمن – البحرين – قطر – الأردن – لبنان – ألمانيا – تركيا» وبصفة خاصة لكل من عبد المنعم أبو الفتوح، وعصام العريان، اللذين شاركا فى غالبية تلك المؤتمرات.
.
استمرت اللقاءات فى الانعقاد، ولكن بشكل سرى حتى كان احتلال العراق، الذى أمر خلاله المرشد العام السابع للجماعة محمد مهدى عاكف، المنسق السابق للعلاقة مع الأمريكان، جناح التنظيم الدولى فى العراق «الحزب الإسلامى العراقى بقيادة محسن عبد الحميد، والاتحاد الإسلامى الكردستانى بقيادة صلاح الدين بهاء الدين»، بالتعاون مع الحاكم الأمريكي آنذاك، بول بريمر، والمشاركة فى الحكومة الانتقالية التى شكَّلها عقب سقوط النظام العراقى مباشرة.
الى اللقاء مع الجزء العاشر
إضافة تعليق جديد