بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله الذي جعل في كل زمان فترة من الرسل بقايا من أهل العلم، يدعون من ضل للهدى، ويصبرون منهم على الأذى، يحيون بكتاب الله الموتى، ويبصرون بنور الله أهل العمى، فكم من قتيل لأبليس قد أحيوه، وكم من ضال تائه هدوه، الحمد لله الواحد القهار، الحمد لله العزيز الغفار مكور الليل على النهار، أيقظ من خلقه من اصطفاه، فأدخله في جملة الأخيار، ووفق من إجتباه من عبيده، فجعلهم من المقربين الأبرار، وبصر من أحبه فزهدهم في هذه الدار، أحمده سبحانه وتعالى أبلغ الحمد وأجزله، واسأله المزيد من كرمه وفضله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، هو ربنا الحي القيوم الذي لا يموت، هو الإله الكبير العظيم الواحد الأحد الصمد العزيز الحكيم، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وصفيه وخليله، هو سيدنا وقدوتنا وقائد مسيرتنا، صلى الله وسلم وبارك عليه.
وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين ثم أما بعد فيا أيها الناس إن صلاة الجماعة فرض عين تجب في حال الصحة والمرض وتجب في حال الإقامة والسفر وتجب في حال الأمن والخوف وفي ساحات الوغى والقتال، فلقد أمر الله تعالي نبيه بالصلاة في حال الحرب ولم يعذره بتركها، فكيف بمن يعيش في بيته وبين أهله آمنا من الخوف وسالما من العاهات، فصلاة الجماعة لا تسقط عن المسلم بحال ما دام عقله ثابتا، ولو عذر في تركها أحد لكان العذر لمن يقاتلون الأعداء في ساحات القتال، حيث قال الله تعالى " وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم " ولو كان هناك عذر للتخلف عن صلاة الجماعة لأعذر الأعمى في تركها، فقد روى الإمام مسلم في صحيحه أن رجلا أعمى قال يا رسول الله ليس لي قائد يقودني إلى المسجد.
فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرخص له، فلما ولىّ دعاه فقال " هل تسمع النداء ؟ قال نعم، قال فأجب " وفي رواية قال " لا أجد لك رخصة " الله أكبر يا عباد الله لم يرخص لذلك الضرير الأعمى بعيد الدار ولا قائد له والطريق إلى المسجد وعرة وكثيرة الهوام، فما بالنا بمن أنعم الله عليه بشتى النعم، نعمة البصر، وإضاءة الطرق والأمن من الخوف والمركب الموصل إلى المسجد، فما عذرك يا من تركت صلاة الجماعة ؟ وما حجتك أمام الله ؟ فإن نعم الله عليك لا تعد ولا تحصى ومن أجلها وأعظمها نعمة البصر التي بها ترى الطريق إلى بيوت الله عز وجل، فماذا لو وضعت أعمالك في كفة ونعمة البصر في الأُخرى، ثم رجحت نعمة البصر، فيالها من خسارة عظيمة ونهاية مؤلمة.
أمة التوحيد لما لم يعذر أحد بترك صلاة الجماعة علم بالضرورة وجوبها على الأعيان، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، ثم آمر رجلا يصلي بالناس ثم أنطلق معي برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأُحرق بيوتهم بالنار" متفق عليه، وقال صلى الله عليه وسلم " من سمع النداء بالصلاة فلم يأت فلا صلاة له إلا من عذر " وسُئل ابن عباس رضي الله عنهما ما العذر ؟ قال مرض أو خوف، وقال صلى الله عليه وسلم " ما من ثلاثة في قرية ولا بدو لا تقام فيهم الصلاة إلا إستحوذ عليهم الشيطان فعليكم بالجماعة فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية " رواه أبو داود، فأين أنتم يا من تصلون في بيوتكم، وتزعمون أنكم جماعة، فمن أين حصلتم على هذه الفتوى، وأنى لكم هذا العلم، آلله أمركم بهذا أم على الله تفترون.
وما فائدة المساجد إذن، أتظنون أن الله تعالي لا يعلم كثيرا مما تضمرون في نفوسكم ، ألم تسمعوا قول الله تعالى " في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيه اسمه يسبح له فيها بالغدو والأصال رجال " ألم تسمعوا قول الله تعالى " وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين " وأين يركع الراكعون، إنهم يركعون في بيوت الله، طمعا في رحمة الله وخوفا من عقاب الله عز وجل، فيقول ابن مسعود رضي الله عنه " لو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته، لتركتم سنة نبيكم ولو أنكم تركتم سنة نبيكم لضللتم ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق "
إضافة تعليق جديد