المؤامرة ............... الجزء الثالث عشر
.
الحقيقة المريعة، التى لا يعرفها سوى من اكتوى بنارها، إنه لا يوجد ما يسمى بتيارين داخل حركة الإخوان، إنما هو مبدأ واحد يسيطر على الجميع.. السمع والطاعة دون مناقشة، ومن يعترض ليس له مكان داخل الجماعة.
.
إن هذه الحركات تعمل فى مجال السياسة بروح الجندية ، تيار واحد وفلسفة واحدة يمثلها جيل واحد، يرى أن هذه الجماعة هيئة جامعة سياسية واجتماعية واقتصادية وبجملة واحدة دولة داخل الدولة، فهل هذا ما تريد مراكز البحوث الأمريكية أن تتبناه إدارتهم، وتقوم بدعمه فى مواجهة كل قوى المجتمع المدنى بجميع أشكالها وانتماءاتها من أحزاب ومؤسسات وجمعيات وحركات سياسية.
.
و كانت المناطق الضبابية التى أشارت إليها الدراسة "الحركات الإسلامية والعملية الديمقراطية فى العالم العربى " لا يمكن حسمها لا بشكل كلى ولا بشكل جزئى، لصالح تقدم تلك المجتمعات سواء على المدى المنظور أو على المدى الطويل؛ لأن حسمًا على هذا المستوى الذى أشارت إليه الدراسة يعنى أننا سنكون أمام حركات أخرى قد يُطلق عليها أى تسميات غير مسمى الحركات الإسلامية.
.
إن تغييرا أو تبديلا جذريا يطرأ على موقف الحركات الإسلامية من تلك القضايا سيقلبها إلى حركات ليبرالية عادية؛ لأن هذه العملية ستكون بمثابة عملية تفريغ لهذه الحركات من محتواها وتوجهها الحقيقى، لن ينجح إلا عبر اختفاء تلك الحركات نفسها، وبالتالى فإن المنطق يدفع باتجاه دعم قوى وجاد وفعَّال، ليس للأجنحة الإصلاحية (غير الموجودة) داخل الحركات الإسلامية ذات المناطق الضبابية، وإنما لمؤسسات المجتمع المدنى بكل أشكالها وصورها (أحزابا وجمعيات ومنظمات وحركات سياسية واجتماعية) فى مواجهة ذلك الغول المتغول المسمَّى الحركات الإسلامية.
.
شهدت نهاية القرن العشرين وبدايات القرن الحادى والعشرين عدة متغيرات سياسية وفكرية وتكنولوجية، كان أهمها غياب الإمبراطورية السوفيتية، وحرب الخليج الثانية ١٩٩١، وكارثة ١١ سبتمبر ٢٠١١، وغزو العراق ٢٠٠٣، وانتشار الإنترنت في العالم العربى، وحدوث ثورة المعلومات والاتصالات؛ مما كان له أثره السيئ والحسن، في آن واحد، على أداء «الإخوان».
فمن جهة أكد استحالة قيام الدولة الدينية التي ينادى بها الإخوان، ومن جهة ثانية أتاح لفكر «الإخوان» والجماعات الإسلامية الأخرى الانتشار بفضل المواقع الإلكترونية التي أنشئت، والتي نبتت على شاشة الإنترنت وتكاثرت كالفطر خاصة في الخليج العربى، وكان أشهرها «إخوان أون لاين» و«إسلام أون لاين» و«الرحمة»، وغيرها، وكان على جماعة الإخوان حيال هذا كله ومن خلال المواقف السياسية التي اتخذوها حيال هذه الأحداث الجسام أن يقوموا بمراجعات كثيرة لأفكارهم وخططهم، وقد قاموا ببعض منها ونشأ عن ذلك تيارات جديدة داخل الإخوان.
في عام ٢٠٠٠ وصل جورج بوش إلى سدة الحكم في الولايات المتحدة ، وكانت انتفاضة الأقصى في بداياتها، وسرعات ما ألمحت الإدارة الجديدة إلى عزوفها عن التدخل، بالضغط على إسرائيل لتقديم تنازلات في إطار عملية أوسلو التي وصلت إلى مرحلة الانهيار التام، ولم تستجب هذه الإدارة لتوسلات مصر لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من ماء الوجه بعد إصرار شارون على إخضاع كل الحكام العرب إخضاعا تاما للواقع الجديد، واقع ما بعد حرب الخليج عام ١٩٩٠-١٩٩١- التي نتج عنه تركز قوات هائلة للولايات المتحدة في المنطقة، وضعف مساحة المناورة للأنظمة العربية خاصة بعد انهيار الاتحاد السوفيتى.
.
الولايات المتحدة لم تسع حقا إلى إصلاح ديمقراطى في المنطقة، وإنما جاءت مطالبها من النظم الحليفة في سياق تبرير غزو العراق أمام الرأى العام الغربى والأمريكى على وجه الخصوص، وفى نفس الوقت لم تتخل تماما عن حلفائها المستبدين، وإنما طالبتهم ببعض الإصلاحات الشكلية التي لا تهدد استقرار حكمهم من جانب، ويمكن ترويجها على أنها نجاح لهدف الغزو المزعوم بإدخال الديمقراطية إلى المنطقة من جانب آخر.
.
ولم يكن ما سربته مصادر غربية في مصر حول خيار الولايات المتحدة الأمريكية بالحوار مع جماعة الإخوان المسلمين إلا تتويجا لمسار طويل من الحوار بدأ عقب أحداث الحادى عشر من سبتمبر ٢٠٠١ بين جناح في الإدارة الأمريكية ورموز بارزة محسوبة على جماعة الإخوان داخل مصر وخارجها، بنى هذا الجناح بالإدارة الأمريكية رؤيته على ثلاثة اعتبارات رئيسية:
.
الأول: أن الأنظمة «المستبدة» التي تحكم بلدان المنطقة العربية هي السبب الرئيسى وراء ظهور وتصدير ظاهرة الإرهاب الإسلامى.
الثانــى: أن نقل المعركة إلى أرض العدو لا يتم فقط عبر انتقال قوات المارينز لمواجهة بعض البؤر الإرهابية في منطقة الشرق الأوسط، وإنما يجب إيجاد سبل أخرى تتم من خلالها عملية النقل، في مقدمتها استخدام منظمات إسلامية معتدلة تعمل كحائط صد في مواجهة تدفق الشباب الإسلامى الثائر والساخط نحو المنظمات الإرهابية.
الثالـــث: أن الديمقراطية التي ستدعو إليها أمريكا وستضغط في سبيل تحقيقها في بلدان الشرق الأوسط لا بد أن تزيح أو تضعف عند حدها الأدنى من قدرات الأنظمة الحاكمة على الاستمرار في الحكم، وذلك لصالح تيارات أخرى أكثرها شعبية التيارات الإسلامية.
.
لذا لا بد من فتح حوار مع تلك القوى المرشحة للصعود لضمان روابط إيجابية معها إن لم تصل إلى حد التعاون الكامل، تتمحور حول المصالح المشتركة، وضمان عدم إنتاج وتصدير الكراهية للولايات المتحدة.
.
وظلت حركة هذا الجناح تعانى من مقاومة ضارية يقودها جناح آخر في الإدارة الأمريكية ، وهو الجناح المطالب بالاعتماد على الأنظمة الصديقة في المنطقة وفى مقدمتها النظام المصرى لدعم المصالح الأمريكية من جانب، والتصدى لنفوذ التيارات المتشددة من جانب آخر.
وقد دعم هذا الجناح "المطالب بالاعتماد على الدول الصديقة" لفترة طويلة قوافل الحوار المصرية التي تتابعت مع مراكز صنع القرار الأمريكى حول خطورة ممارسة ضغوط على الأنظمة الصديقة من شأنها أن تفتح الطريق لقوى إسلامية معتدلة نحو السلطة، منبهة إلى موقف هذا التيار الأيديولوجى المعادى للحضارة الغربية والأمريكية على السواء.
.
وبينما قوافل الشتاء والصيف القادمة من مصر كانت تتحاور مع الجناح المتحمس لوجهة نظرها، كان الجناح الآخر يذرع المنطقة سعيا نحو إقامة حوار مع رموز التيار الإسلامى في كل من مصر والكويت والأردن والأراضى المحتلة، إضافة إلى ممثلين للتنظيم الدولى للإخوان في كل من ألمانيا وإنجلترا.
.
وفجأة انهالت الرسائل المبطنة والمكشوفة من جميع المسئولين في أمريكا تؤكد المسعى الجديد، فمن كونداليزا رايس، إلى ريتشارد هيس، راح الجميع يؤكدون أن الولايات المتحدة لا تخشى وصول تيارات إسلامية إلى السلطة شريطة أن تصل عن طريق ديمقراطى، وأن تتبنى الديمقراطية كوسيلة للحكم.. ولكن ما الذي دعا الإدارة الأمريكية إلى حسم الصراع بشكل مفاجئ لصالح الجناح الداعى إلى الحوار مع الإسلاميين.
.
لقد بنى النظام المصرى حساباته على عنصرين:
.
الأول: المناورة الداخلية إلى آخر مربع يمكن الوقوف عليه من خلال الإعلان عن تغييرات لا تُحدث نقلات نوعية في جوهر الحكم.
والثانــــى: محاولات ضرب الداخل بالخارج والعكس، عن طريق تخويف الإثنين كل منهما من الآخر، فالخارج يريد الضغط للنيل من الإرادة الوطنية، والداخل يريد الوثوب إلى السلطة للنيل من المصالح الأمريكية والغربية.
وبارتكاب هذا الخطأ التاريخى تمكنت قوى الخارج من القيام بمزيد من المناورة والتدخل لدعم عناصر المعارضة في الداخل، وإن بدا ذلك بشكل غير مباشر عن طريق الحد من قدرة النظام المصرى على المناورة في مواجهة معارضيه والضغط عليه في محاولة لإظهاره بموقف الضعيف أمام شعبه، الأمر الذي أدى إلى اتساع دائرة المعارضة للنظام وازدياد جرأتها في مواجهة أجهزته .
.
لكن، وفى خطوة بدت للبعض، في حينها، من قبيل تحسس موقع الأقدام أعلن كل من محمد حبيب نائب المرشد العام للإخوان، آنذاك، ومحمد مهدى عاكف المرشد العام للجماعة، قبول الجماعة للحوار مع الولايات المتحدة شريطة أن يتم عبر الخارجية المصرية، وهو رد ينطوى في نظرى على عدة اعتبارات:
.
الأول: رغبة الجماعة في ترك الباب مواربا أمام الدعوة التي لم تثبت صحتها بعد، وذلك لاختبار جدية الولايات المتحدة في توجهها الجديد من جهة، ومن جهة أخرى يجرى اختبار رد الفعل الرسمى للحكومة المصرية على مثل هذا التوجه.
والثانــــى: وهو الأهم ، السعى للحصول على مزيد من الوقت لحسم الخلافات الداخلية بين تيارى الحرس القديم وجيل السبعينيات حول الموقف من الحوار مع أمريكا.
الى اللقاء مع الجزء ............ الرابع عشر
إضافة تعليق جديد