رئيس مجلس الإدارة   
            د/ نبيلة سامى                   

                                               

          صحافة من أجل الوطن 

              (  مجلة مصر )

                             ( أحدث إصدارتنا)

الجمعة 27 ديسمبر 2024 12:49 ص توقيت القاهرة

المؤامرة ..............الجزء الثالث والثلاثين بقلم مالك عادل

المؤامرة ..............الجزء الثالث والثلاثين
..
اتسم الموقف الأمريكى والمواقف الغربية بشكل عام بقدر كبير من الارتباك، خاصة فى الأيام الأولى للثورة التى اتسمت بقدر من عدم الوضوح، حيث ساد قدر كبير من الترقب ومتابعة الأحداث بصورة لصيقة، لمحاولة استكشاف موازين القوى واتجاهات التطور.
.
فمن المؤكد أن سقوط نظام الرئيس مبارك لم يكن فى حسابات الأجندة السياسية الأمريكية على الإطلاق، حيث ذكرت صحيفة نيويورك تايمز أن الولايات المتحدة - خاصة أجهزتها الاستخباراتية - فشلت فى تقدير حجم المخاطر الحقيقية التى تتهدد نظام الرئيس مبارك.
.
وقد أدى هذا التقدير الخاطئ إلى محاولة البيت الأبيض السير على الحبال لعدة أيام مترددًا بين انتهاج سياسة الحذر والصمت ما بين مساندة هذه الانتفاضة الشعبية المنادية بالحرية والديمقراطية ( اللى هى أصلا صناعة امريكية ) وبين إسقاط نظام مبارك بكل آلياته.
.
ومن الواضح أن الخيارات ومساحة المناورة كانت ضيقة للغاية أمام صانع القرار الأمريكى الذى وجد نفسه فجأة خارج دائرة الحدث.
.
فالإدارة الأمريكية زعمت أنها وجدت نفسها أمام خيارين لا ثالث لهما، فهى إن طالبت بشكل صريح وفى وقت مبكر برحيل الرئيس مبارك فإنها ستدعم الحجة القائلة بوجود أياد أجنبية خلف الانتفاضة الشعبية ضد نظام حكمه.
وهى إن التزمت الصمت تجاه ما يحدث، فإنها ستعرض نفسها لموجة من الانتقادات داخليًا وخارجيًا بسبب نفاقها السياسى ومعاييرها المزدوجة الشهيرة، لأنها من جهة ترفع شعار المناداة بالحرية والديمقراطية، ومن جهة أخرى تدعم الأنظمة القمعية الحليفة لها فى المنطقة.
الأمر الذى بَدَا معه أن الحذر الأمريكى فى التعاطى مع أحداث الثورة الشعبية فى مصر قد مكن هذه الثورة من الحفاظ على واحد من أهم مقوماتها، وهو مرجعيتها الشعبية، واستقلاليتها التامة عن أى تأثير خارجى.
و لذلك حاولت الخروج من هذا الارتباك بالتدريج عبر إحداث مجموعة من التحولات فى موقفها، حيث سعت فى البداية إلى مطالبة الطرفين بإبداء أكبر قدر من ضبط النفس، وركزت على مطالبة مبارك بعدم استخدام وسائل القمع أو العنف فى التعامل مع المعتصمين والمتظاهرين الذين طالبتهم فى الوقت نفسه بالالتزام بالتظاهر السلمى ( الفوضى الخلاقة ).
.
وقالت كلينتون، إن تقييم إدارتها للوضع أن الحكومة المصرية مستقرة وتبحث عن طرق للاستجابة لمطالب المتظاهرين المشروعة. كما صرح روبرت جيتس، السكرتير الصحفى للبيت الأبيض، يوم ٢٦ يناير بقوله.. «إن بلاده تساند مبارك، لكون بلاده حليفًا قويًا»، فيما اعتبرت كلينتون أن أمام الحكومة المصرية فرصة مهمة لتنفيذ إصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية.
.
إلا أن هذا الموقف الأمريكى بدأ يتحول مرة أخرى بعد استمرار عمليات الاعتصام والتظاهر على نطاق واسع مصحوبة بتصميم واضح على الاستمرار والتحدى، وكانت السياسة الأمريكية هى تشجيع المسار الذى يقود إلى عملية إصلاح سياسى واجتماعى خلال فترة انتقالية محدودة.
وقد برزت هذه السياسة عقب الاجتماع الذى عقده أوباما فى ٣٠ يناير لفريق الأمن القومى لصياغة استراتيجية توفر دعمًا أمريكيًا للتحول والإصلاح الديمقراطى يكون متزامنًا مع الحاجة للاستقرار الداخلى.
و أعدت الإدارة الأمريكية قائمة من الأهداف على المديين الآدنى والمتوسط، تركزت حول تحويل مظاهرات الشوارع المتنامية لعملية سياسية تلقى قبولا عبر مختلف أطياف المشهد السياسى المصرى، وتؤدى لانتخاب قادة جدد للبلاد.
وَبَدَا أن هناك إجماعًا بين المسئولين الأمريكيين على تنفيذ مخططهم ومقولة «إن المصريين وحدهم هم الذين سيقررون ما إذا كان ينبغى على مبارك التنحى، ومتى يتم ذلك؟». ومن الواضح أن مضامين الخطاب الثانى لمبارك قد استصحبت معها هذه المطالب الأمريكية التى كانت تسعى إلى تهدئة اندفاع الأحداث فى المنطقة خوفًا من اتساع موجة تساقط الأنظمة بشكل سريع، وهو ما حدث بالفعل مع اندلاع أحداث الثورة الليبية فى ١٧ فبراير ٢٠١١، أى بعد تنحى مبارك بأسبوع واحد فقط.
وتسارعت الأحداث فى مصر كان يسبق الجميع، الأمر الذى حدَا بواشنطن إلى محاولة تأمين انتقال آمن ومنظم للسلطة من مبارك لنائبه عمر سليمان، وشهدت تلك النقلة إرسال الدبلوماسى فرانك وايزنر للقاهرة فى ٣١ يناير لإبلاغ مبارك رسالة مفادها أن عليه الإعداد لانتقال تدريجى للسلطة، عبر محاولة تأمين انتقال آمن ومنظم للسلطة من مبارك لنائبه عمر سليمان، بما يتضمنه ذلك من إبعاده لمبارك عن القصر الجمهورى دون تجريده من سلطته الرئاسية فورًا. وبعدها تتفاوض حكومة انتقالية يرأسها سليمان مع رموز المعارضة لإصلاح الدستور وبدء التغييرات الديمقراطية وفى اليوم التالى.
.
كما شددت كلينتون فى عدة برامج حوارية على عبارة أن الولايات المتحدة ستسعى لحدوث «فترة انتقالية منظمة» فى مصر تثمر إصلاحات ديمقراطية من دون زعزعة استقرار البلاد. خاصة مع وجود الأداة التى ستمكنها من بسط سيطرتها وهى جماعة الإخوان المسلمين التى ستحل محل النظام القديم، وربما ستحصل على مكاسب أكبر مع تنامى وبروز شهوة السلطة لديها.

سعت إدارة أوباما إلى الابتعاد عن النقاش حول مسألة الرئاسة المصرية تحديدا،و إدعت أنها تريد خطوات ملموسة تدعو للإصلاح فى مصر لضمان إجراءات تسمح بانتخابات حرة وعادلة ,وقال الناطق باسم البيت الأبيض روبرت جيبس: «إن رفع قانون الطوارئ فورًا أمر مهم، لإظهار نية الحكومة المصرية فى اتخاذ خطوات تستجيب لمطالب المعارضة المصرية».
.
وقد ظهر هذا التحول فى الموقف الأمريكى مع نشر البيت الأبيض تفاصيل الاتصال الذى قام به نائب الرئيس الأمريكى، جو بايدن، مع نظيره المصرى عمر سليمان فى ٨ فبراير، حيث دار الحديث حول خطوات ملموسة تطالب بها واشنطن، على رأسها رفع قانون الطوارئ ومنع وزارة الداخلية المصرية من اعتقال وتخويف المتظاهرين والصحفيين. وقال البيان إن بايدن شدد على ضرورة أن «تنتج عملية الانتقال تقدمًا فوريًا وغير قابل للتراجع يتماشى مع طموحات الشعب المصري».
.
فى المقابل اتخذ مجلس الشيوخ خطوة أكثر وضوحًا وصراحة، رعاها كل من السيناتور الديمقراطى، جون كيرى، والجمهورى، جون ماكين، عبر التقدم إلى الكونجرس بمشروع مشترك لإصدار قرار يطالب بالبدء فى انتقال فورى ومنظم وسلمى لنظام سياسى ديمقراطى يشمل نقل السلطة لحكومة تصريف الأعمال بالتعاون مع المعارضة والجيش.
.
وفى تصريحاته دعا السيناتور جون كيرى، رئيس لجنة الشئون الخارجية بمجلس الشيوخ، لشراكة أكبر مع الشعب المصرى عوضًا على الاعتماد فقط على تمويل الجانب العسكرى, بمعنى دعم العملاء و نشطاء السبوبة بدلا من التمويل العسكري للجيش .
.
والخطوة الأخيرة جاءت عبر خطاب مبارك الأخير فى يوم الخميس ١٠ فبراير الذى أعلن فيه رفضه للتنحى مع تفويض سلطاته لنائبه عمر سليمان، حيث شدد مبارك على رفضه لما اسماه الإملاءات الأجنبية فى إشارة واضحة للضغوط الأمريكية التى مورست عليه، الأمر الذى جعل أوباما وإدارته بين خيارين، إما قطيعة مع مبارك ونظامه، أو الاستمرار فى الدعوة إلى «انتقال منظم للسلطة» لم يعد ممكنًا.
.
و شاهد أوباما خطاب مبارك أثناء وجوده على متن الطائرة الرئاسية قادما من ولاية ميتشيجان. وبمجرد وصوله إلى البيت الأبيض، اجتمع مع فريقه للأمن القومى، بعد أن فوجئت واشنطن بخطاب مبارك بقدر ما تفاجأ به المعتصمون فى ميدان التحرير، حيث كان ليون بانيتا، رئيس الاستخبارات المركزية الأمريكية، فى شهادة أمام الكونجرس صباح نفس اليوم الخميس، قال إن هناك «احتمالًا قويًا لتنحى مبارك فى نهاية اليوم»، الأمر الذى دفع الإدارة الأمريكية إلى تقديم إشارات توضح تغيير سياستها، عبر توجيه النقد لتلك الخطوة باعتبارها غير كافية، ما دعا أوباما إلى الكشف عن وجهه الحقيقى و مخاطبة المعتصمين والمتظاهرين بشكل مباشر والقول إنه يحتفى ويرحب بآمال الجيل الجديد من المصريين، بعد أن كان هؤلاء قد شعروا بالكثير من الخذلان وخيبة الأمل من مواقف الإدارة الأمريكية المتذبذبة وغير الحاسمة بما يكفى من وجهة نظرهم.
.
رحبت الإدارة الأمريكية فى النهاية بتنحى أو بالأحرى «تخلي» مبارك السريع فى مساء الجمعة ١١ فبراير، وقد ألمح مبارك فى حديثه الصحفى أثناء الأزمة مع محطة «إيه بى سى» التليفزيونية الأمريكية وتشديده على أن البديل لنظامه هو حركة الإخوان المسلمين ن، إذ إنه من الواضح أن التعامل مع الحركات الإسلامية كطرف أساسى فى المجتمعات العربية سيكون أحد مكونات الاستراتيجية الأمريكية فى المرحلة المقبلة.
.
وكانت حركة الإخوان المسلمين كانت قد التقطت هذه الإشارات عبر الاتصالات العديدة التى قامت بها واشنطن، وشملت معظم الطيف السياسى المشارك فى الأحداث، فسارعت الحركة بإطلاق مجموعة من التصريحات التى عبرت عن مواقف هدفت منها إلى طمأنة الداخل المصرى وكذلك الآخر الخارجى (الولايات المتحدة بوجه خاص) أن حركة الإخوان لن تنافس على انتخابات الرئاسة المقبلة، كما أنها لن تسعى إلى الهيمنة على البرلمان، حيث لن تتقدم بمرشحيها إلا فى عدد محدد من الدوائر، وهو ما لم يحدث مطلقا ، مع ما ترافق مع ذلك من تصريحات عن قبول حركة الإخوان لما يقبل به الشعب المصرى فيما يتعلق باتفاقية ١٩٧٩ بين مصر وإسرائيل، بمعنى أن الحركة لن تثير مشكلات فى خصوص هذا الأمر بالغ الأهمية لكل من الولايات المتحدة وحليفتها إسرائيل .
وكل هذه التصريحات كانت من اجل وصولها للسلطة وبالفعل و بمساعدة كل المتأمرين على مصر من الخارج و الداخل وصلت الجماعة الارهالية إلى كرسي الحكم بالتزوير .

الى اللقاء مع الجزء الرابع والثلاثين

تصنيف المقال : 

إضافة تعليق جديد

CAPTCHA
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.