رئيس مجلس الإدارة   
            د/ نبيلة سامى                   

                                               

          صحافة من أجل الوطن 

              (  مجلة مصر )

                             ( أحدث إصدارتنا)

الجمعة 27 ديسمبر 2024 8:02 م توقيت القاهرة

المؤامرة ....... الجزء الثامن بقلم مالك عادل

المؤامرة .............الجزء الثامن
..
الغريب في الأمر أن شائعة الاجتماع القطرى الإخوانى، التي أكدتها المصادر الدبلوماسية العربية، لم تكن الشائعة الوحيدة التي تداولها الشارع المصرى، فقد ترددت شائعة أخرى تؤكد أن الطرف القطرى الذي حضر لمصر بعد ظهور نتائج الجولة الأولى، لم يكن مدير المخابرات العامة القطرية، لكنه كان مدير المخابرات العسكرية القطرية، وتطرقت تلك الشائعة إلى أن رئيس المخابرات القطرية لم يبلغ السلطات المصرية بزيارته رغم أنه التقى أطرافًا سياسية، منها قيادات في جماعة الإخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة، وعدد من الشخصيات السياسية البارزة في إطار من السرية التامة.
.
الجمهورية الإسلامية الإيرانية ووكالتها الإخبارية والموقع الإلكترونى لقناة «برس تى في» الإيرانية، لم تترك الفرصة تمر دون أن تُدلى بدلوها في شائعة «المخابرات القطرية» واللقاءات الإخوانية، وخرجت في أكثر من مكان لتؤكد حدوث اللقاء رغم نفيه رسميًّا، وهذه الواقعة، شبه المؤكدة، لا يمكن اعتبارها إلا محاولة من الجانب القطرى للتدخل في الانتخابات الرئاسية، بعدما زادت التخوفات الإخوانية القطرية من حجم الشعبية التي حصل عليها الفريق أحمد شفيق، وحجم التعاطف الشعبى والعربى معه.
.
و هناك بعض الجوانب المجهولة التي لا يعرفها الكثيرون عن أحداث الثورة، منذ التمهيد والتخطيط لها من جانب بعض القوى والمنظمات والدول العربية والأجنبية.
ففي مطلع شهر فبراير ٢٠٠٦ عقد في العاصمة القطرية الدوحة منتدى تحت عنوان «منتدى المستقبل»، وبعد انتهاء هذا المنتدى خرج ما يطلق عليه «مشروع مستقبل التغيير في العالم العربى»، وتم توزيع المهام: قطر تعمل على جانب الإسلاميين، وأمريكا على جانب آخر وهو الجانب المنفتح من الشباب الليبراليين.
.
هذا التعاون أثمر كثيرًا في تحفيز الشباب على قيادة التغيير، باستعمال أدوات الإعلام الحديث والاتصال الإلكترونى، من فيس بوك وتويتر ويوتيوب وغيرها.
والإخوان المسلمون الذين التحقوا جسديًّا بالثورة المصرية متأخرين، كانوا قد بدءوا نشاطهم الشبابى للتغيير والحشد منذ عام ٢٠٠٦، وعبر مشاريع بالتضامن والتمويل القطرى.
.
تضمنت المهمة القطرية مشروعين :
المشروع الأول هو مشروع «النهضة»، ويديره القطرى الدكتور جاسم سلطان، وهو رجل محنك ملتزم بتعاليم الإخوان المسلمين ومطبق لها.
المشروع الثانى الذي تولته المهمة القطرية هو «أكاديمية التغيير»، عبر زوج ابنة الشيخ يوسف القرضاوى، وهو منفذ مهم لما يُنظر إليه ويضعه جاسم سلطان من خطوط فكرية ومنهج للتغيير والنهضة.
وفي الشأن المصرى طالب المشروع -عبر مشرِّعه جاسم سلطان- المصريين بالحشد لتحديد رئاسة الجمهورية، ثم الحشد لنيل أكبر الحصص في البرلمان المقبل، ثم الحشد لوقف الانهيار الاقتصادى، ثم الحشد لوقف الانهيار الأمنى، وبعدها الحشد لوقف انهيار الوحدة الوطنية، لكنه لا يضع أولويات ونقطة بدء، ثم تسلسُل للحشود المقررة.
.
كان في سبيل خلق قادة يفهمون جيدًا مشروع النهضة، المموَّل من قطر بالتعاون مع الإخوان، يتم تنظيم تدريبات وبرامج إعداد عبر الإنترنت، تتضمن تعريف المتدربين بما هو المجتمع الناهض، وأطوار حركة النهضة ومسارات النهضة، ومتطلبات النهضة، ومن أين تبدأ النهضة، وما هي مفاتيح الأمل.
ويمكن معرفة حجم نجاح مشروع النهضة في المساعدة في الثورة المصرية، إذا عرفنا أن عبدالرحمن المنصور، أَدْمِن صفحة مجموعة «كلنا خالد سعيد»، هو الذي دعا ليوم ٢٥ يناير ليكون يومًا للثورة المصرية، وأن الناشط وائل غنيم الذي كان المسئول التّقنى في الصفحة، عارض منصور في اختيار ذلك اليوم، ثم قبل به بعد أن أقنعه منصور ببرامج متعددة يقوم بها مشروع النهضة الإخوانى بالتعاون مع «أكاديمية التغيير»، وتتضمن تعاون مؤسسات إخوانية مثل «تنمية للدراسات والاستشارات».
.
ويستعمل الإخوان في تسهيل عملياتهم المالية بنك قطر الإسلامى حيث يتم تحويل الرسوم لحساب بنكى يخص «أكاديمية التغيير»، وهى التي تتولى تنظيم التدريب إداريًّا كما يملكون مشاريع مختلفة ليست فقط للكبار بل أيضًا للصغار، كمؤسسة تدريب المراهقين من عمر ١٢ إلى ١٥ عامًا، يحض القائمون على المشروع أنصارهم ومتدربيهم على استعمال أدوات إعلامية معينة، مثل شبكة «الجزيرة» وموقع «إسلام أون لاين» وموقع «الجزيرة توك» وقناة «دليل» الفضائية.
وقد أكدت مصادر متنوعة أن قطر وأمريكا اتفقتا على رصد مبالغ طائلة لدعم حملات ترشيح عدد من شباب «الثورة» في انتخابات مجلس الشعب القادمة.
والدعم القطرى للإخوان دعم مفتوح يقضى بدعمهم بشكل كامل حتى الفوز في الانتخابات داخل البلدان التي تعتمد صناديق الاقتراع قاعدة لتداول الحكم، أو دعمهم بالسلاح في البلدان التي يقتضى تغيير الأنظمة فيها عملًا عسكريًّا حاسمًا كما حدث في ليبيا، ويحدث في سوريا.
لا يمكن لأحد أن ينكر الدور الذي لعبته «الجزيرة» القطرية في ثورات الربيع العربى، وبشكل خاص في تونس ومصر وليبيا، وبعيدًا عن المعايير المهنية؛ فإنه من الطبيعى أن تكون «الجزيرة»، المملوكة للأسرة الحاكمة في قطر، أداة لتنفيذ السياسة الخارجية لدولة قطر وأميرها الشيخ حمد بن خليفة آل ثان، ومن بعده الشيخ تميم، وقد نشرت صحيفة «كريستيان ساينس مونيتور»، الأمريكية تقريرًا استقصائيًّا مثيرًا للاهتمام، تركّز حول الدور الذي تمارسه دولة قطر وقناة «الجزيرة» واستخدامها لبعض رجال الدين في تنفيذ السياسة الخارجية للدوحة، وإبعاد المد الثورى عن الدولة الخليجية الصغيرة.
.
البداية كانت مبكرة، فبعد عام على الإطاحة بوالد الأمير حمد من الحكم -في عام ١٩٩٥- قامت جماعة «إخوان قطر» بحلّ نفسها تلقائيًّا في قطر عام ١٩٩٩، ونقلت عن جاسم سلطان، العضو السابق في الجماعة، قوله إن قرار الحل جاء لأن دولة قطر تمتثل للشريعة الإسلامية.
.
وبعدها قام أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثان بتأسيس قناة «الجزيرة» الفضائية الإخبارية، ومنح بعض رجال الدين السلفيين المتشددين الملاذ في قطر، إضافة إلى الأموال الوفيرة عبر البطاقات البنكية، وكان هدفه أن يخاطب هؤلاء الدعاة ما يقرب من ١.٥ مليار مسلم حول العالم، لديهم المنصة الإعلامية والأموال، ولكنْ هناك ثمن لذلك، وكان الثمن هو «الصمت عما يحدث في قطر»، وقالت إنه يمكن لهؤلاء الحديث عن الأوضاع في الشرق الأوسط، وإثارة الغضب في مصر وليبيا، ولكنهم لهم دور في أن تبقى تلك الثورات خارج حدود قطر، وإلا فإن المنصة الإعلامية ستتوقف، وسيتم قطع الإمدادات المالية.
.
وفى الوقت الذي تستضيف فيه قناة «الجزيرة» القطرية الشيخ يوسف القرضاوى، الذي يعتبر الزعيم الروحى العالمى لتيار الإخوان، ليقدم فتاواه في قضايا الدين والسياسة وثورات الربيع العربى، تعرض فيه الإمارات صورًا لعناصر شبكات الإخوان المحلية، تقول سلطات أبو ظبى إن لها مخططات تتعلق بقلب نظام الحكم والتعامل مع جهات خارجية.
.
تعتبر قطر ثالث أكبر منتج للغاز الطبيعى في العالم، وهذا يمنح سكانها الأصليين، البالغ عددهم ربع مليون نسمة، أكبر دخل للفرد على مستوى العالم، كما أن الغاز الطبيعى يمثل ٧٠٪ من العائدات الخاصة بالدولة، وتقع قطر بين قوتين عُظميين في الخليج، السعودية وإيران، وتحتاج لقوة أكبر وأكثر صرامة من أجل حمايتها من نفوذ القوتين السابق ذكرهما، ولكن هذا لا يكون دون ثمن.
.
تستضيف قطر قاعدتين عسكريتين أمريكيتين على أراضيها، وتقول البرقيات الدبلوماسية المسرَّبة عبر موقع «ويكيليكس» إن قطر تدفع ٦٠٪ من تكلفة الوجود العسكري الأمريكى على أراضيها،
.
و يعتبر البعض أن قطر تمارس أدوارًا تفوق حجمها الجغرافى والسكانى، فإن آخرين يرون أن تلك الدولة الصغيرة اختارت لنفسها أدوات الكبار، سواء تعلق الأمر بكرة القدم، أو حتى دعم فصائل بالسلاح،؛ بينما اشترت قناة «الجزيرة» القطرية فضائية «Current TV» الأمريكية، في صفقة قاربت الـ٥٠٠ مليون دولار؛ وذلك لإطلاق قناة «الجزيرة أمريكا». أما في بريطانيا، فيملك المستثمرون القطريون، ومنهم بنك قطر الوطنى، ما يقرب من ٨٠٪ في برج «The Shard» في لندن، الأعلى في أوروبا، علاوة على تنظيم قطر مونديال كرة القدم في عام ٢٠٢٢.
وتدرك قطر جيدًا حجم وأهمية دولة مثل مصر، بريادتها وتأثيرها الإقليمى، ولذا فقد بادرت قطر بتوقيع اتفاقات بقيمة ١٨ مليار دولار مع مصر، خلال زيارة رئيس الوزراء القطرى إلى القاهرة ولقائه مع الرئيس المعزول محمد مرسي ورئيس الوزراء الأسبق الدكتور هشام قنديل.
والشكوك المشروعة هنا تتجه نحو تفسير ذلك بأن مساندة قطر لجماعة الإخوان في وصولهم إلى الحكم في الدول العربية تأتى تنفيذًا للتعليمات الأمريكية، التي ترغب في استبدال الأنظمة «القمعية» العربية بأنظمة يسيطر عليها «الإسلام المعتدل» الذي يمثله «الإخوان»، حسب ما تعتقد الولايات المتحدة؛ لمواجهة ما يسمونه «الإسلام المتطرف»، الذي يرى في أمريكا عدوًّا يجب قتاله، بالطبع تلك هي الرؤية المعلنة، ولكن الجانب الآخر من الصورة يؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن الهدف الأمريكى يدور حول استغلال نقاط ضعف الإخوان في إعادة تقسيم المنطقة وصنع «سايكس بيكو» جديدة بموافقة ومباركة إخوانية.
.
وهنا تكون العلاقة بين قطر ونظام الإخوان هي الأهم لديهم من العلاقة مع الشعب المصرى نفسه، بل يمكن أن نقول إنها على حساب الشعب المصرى نفسه.
.
ورغم نفى وزير الخارجية القطرى، ورئيس وزرائها حمد بن جاسم، مشروع بيع أو تأجير قناة السويس لقطر، ووصفه لهذا الأمر بأنه «مزحة» سخيفة، فإن الواقع يقول إن هناك مجموعة من المشروعات القطرية كانت معدة لتدخل الخدمة، بعد حزمة المساعدات القطرية التي وصلت لـ٥ مليارات دولار، منها مليار دولار مساعدات ومِنحا لا تُرد، والباقى قرض بفائدة؛ لإصلاح الخلل في الموازنة العامة في مصر، وإصلاح العجز الشديد فيها، والذي توقع الخبراء أن يصل إلى ٢٠٠ مليار جنيه كاملة.
.
بالنسبة لقطر، لا يتجاوز عدد المواطنين القطريين ٣٠٠ ألف نسمة، وهو عدد قليل , ولذلك فالسياسة القطرية تتحرك في غياب عنصر الشعب، وهو ما يحرر حكام الإمارة من أي خوف من أن يراهن الإخوان على قلب موازين الحكم داخل البلد، وهو تخوف حاضر لدى دول أخرى مثل الإمارات والمملكة العربية السعودية، اللتين تدركان أن تربُّع الإخوان على كراسى الحكم في الدول العربية يبدأ دائمًا بمطالبتهم بتوسيع الحريات وفتح قواعد اللعبة السياسية.
.
و تلعب قطر دورًا وظيفيًّا في بلورة التوجهات الأمريكية الجديدة، القائمة على إشراك التيارات الإسلامية المعتدلة في الحكم، وفقًا للسيناريوهات التي يتيحها الربيع العربى اليوم في عدد من الدول: تونس، مصر، المغرب، ليبيا.. هكذا يمكن رصد البصمات الواضحة للدعم القطرى المالى والإعلامي في ليبيا ومصر وتونس.
.
ويمكن ربط العلاقة بدوافع نفسية، تتعلق «بعقدة الصغير» لدى حكام قطر، فقطر- الدولة الصغيرة- تسعى إلى لعب أدوار كبيرة تتجاوز حدودها، وتصل إلى المغرب الأقصى مرورًا بمصر ومالى.
ولذلك تسعى قطر إلى أن تصبح عاصمة الإخوان في العالم، حيث المقر الرئيسى والناطق الرسمى والزعيم الروحى لهم .

الى اللقاء فى الجزء التاسع

تصنيف المقال : 

إضافة تعليق جديد

CAPTCHA
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.