المؤامرة ...............الجزء الثانى عشر
.
شهدت العلاقات بين الإخوان والمخابرات الأمريكية جزرا ومدا , فمنذ نصف قرن تعامل الغرب مع الإخوان لتحقيق مكاسب تكتيكية قصيرة الأمد، وبعدها دعم الغرب العديد من الحكومات المستبدة التى حاولت أن تزيل جماعة الإخوان -وبدأت الحكومات تترنح الواحدة تلو الأخرى فالغرب ليس لديه خيار، فبعد عقود من الكبت تظهر واحدة من الجهات الفاعلة والدائمة والثابتة، جماعة الإخوان المسلمين وفى رؤيتها مزيج الأصولية والأسلوب السياسى الحديث، ولذلك فإن العلاقات بين الإخوان والبيت الأبيض موجودة وإن أنكر أوباما ذلك رسميًّا.
.
فى السنوات التى أعقبت هجمات الحادى عشر من سبتمبر غيَّرت الولايات المتحدة موقفها من الإخوان؛ حيث أعلنت من جانبها على لسان جورج دبليو بوش أن الولايات المتحدة تواجه حربين، الأولى مع العالم الإسلامى، والثانية موجة الكراهية قِبَل الأقليات الإسلامية فى عدد من الدول الأوروبية مثل ألمانيا وفرنسا ودول أخرى؛ حيث كانت مؤتمرات الإخوان التى أعلن أعضاء بارزون فيها أنهم داعمون للإرهاب، على حد تعبير الكاتب.
.
و في تحليل العلاقات بين الإخوان وأمريكا , فقد وضعت إدارة بوش استراتيجية فى التعامل مع الجماعات القريبة أيديولوجيا من الإخوان، ولكن وزارة الخارجية الأمريكية لم تتنبه لبروز الإخوان كقوة سياسية إلا منذ عام ٢٠٠٥ فى مصر وفى دول أخرى، وشرعت فى بذل جهودها لخطب ودهم، ففى عام ٢٠٠٦ نظمت الخارجية الأمريكية مؤتمرا فى بروكسل بين الإخوان المسلمين فى أوروبا ومسلمى أمريكا الشمالية أو الجمعية الإسلامية لأمريكا الشمالية، التى تعتبر قريبة من الإخوان المسلمين، وتمت مثل هذه الأشياء اعتمادا على تحليلات للمخابرات الأمريكية (سى آى إيه) التى وصف أحد أعضائها إعجابه بالإخوان فى الديناميكية الداخلية بين أعضائها، والتنظيم، وإعلامهم الذكى، وتم ذلك التعاون بين المخابرات الأمريكية وجماعة الإخوان، على الرغم من مخاوف الحلفاء الأوروبيين الذين يرون فى هذا الدعم مخاطرة كبيرة .
.
و أصبح القرضاوى رمزا لنمو الإخوان السياسى المتنامى فى المنطقة؛ حيث تعمل الجماعة بشكل شرعى فى الأردن، والغنوشى رجع إلى تونس، وهو زعيم حزب النهضة الذى يلعب دور الحكومة الإسلامية البارزة فى تونس، إضافة إلى حماس فى غزة، وفى مصر يَعْتبر جماعة الإخوان الوجه البارز بجانب مجموعات سياسية، وعلى الأقل إنها تحكم مصر وتلعب دورا مهما فى الحياة السياسية؛ نظرا لتاريخها السياسى الطويل فى المنطقة.
وفى دراسة أعدتها الجماعة حول استراتيجية تعاملها مع الولايات المتحدة الأمريكية تحمل عنوان «رؤية الإخوان للسياسة الأمريكية وكيفية التعامل معها» انتهت الجماعة إلى وجوب استمرارية الإعلان عن معارضة الجماعة لسياسة الإدارة الأمريكية، مع استمرار السعى لفتح قنوات اتصال معها، فى ذلك الوقت (أواخر ٢٠٠٤) عقد التنظيم الدولى للإخوان اجتماعًا فى العاصمة التركية إسطنبول، شارك فيه ممثلو الأجنحة الإخوانية فى كل من (مصر وفلسطين والأردن والجزائر) تمت خلاله مناقشة الانفتاح على الإدارة الأمريكية انطلاقا من العلاقة القديمة والمستمرة بينهم.
.
كما استغلت الجماعة سماح السلطات للدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح بالسفر خارج البلاد بالنظر إلى موقعه كأمين اتحاد الأطباء العرب للمشاركة فى حضور المؤتمرات التى يشارك فيها مسئولون أمريكيون، ومن بينها مؤتمر عُقد فى العاصمة التركية إسطنبول نهاية شهر أبريل عام ٢٠٠٥ تحت عنوان «الجمعيات الأهلية ومؤسسات المجتمع المدنى» شارك فيها من الجانب الأمريكى ريتشارد ميرفى (المساعد السابق لوزير الخارجية الأمريكى لشئون الشرق الأوسط) وجورج تينت (الرئيس الأسبق للمخابرات الأمريكية)، ومن الإخوان الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح.
.
كما التقى أيضا أبوالفتوح ومهدى عاكف مع الأمريكى جون شانك، وهو شخصية بارزة بالكونجرس الأمريكى خلال شهر سبتمبر عام ٢٠٠٤، والذى أبلغهما استعداد السفير الأمريكى بالبلاد لاستقبال قيادات الجماعة، والاستماع إلى وجهة نظرهم، واقتراحه بتشكيل وفد إخوانى لزيارة أمريكا والالتقاء مع المسئولين بوزارة الخارجية، كما عقد ممثلو الحكومة الأمريكية عدة لقاءات مع العديد من الرموز الإخوانية ونوابها بمجلس الشعب من بينها لقاء النائب السابق محمد سعد الكتاتنى (مسئول الكتلة البرلمانية للإخوان) مع زعيم الأغلبية الديمقراطية بمجلس النواب الأمريكى «ستانى هويد» بمنزل السفير الأمريكى بالقاهرة فى ٢٠٠٧/٤/٤ خلال حفل الاستقبال الذى أقامه السفير الأمريكى بالبلاد بمناسبة زيارة وفد الكونجرس للقاهرة، وسبق هذا اللقاء لقاء آخر للنائب سعد الكتاتنى مع المستشار السياسى للسفارة الأمريكية بالقاهرة للحصول على تأشيرة دخول للولايات المتحدة الأمريكية خلال شهر مارس ٢٠٠٧، حيث أبلغه الدبلوماسى باختياره كمندوب اتصال بين جماعة الإخوان والإدارة الأمريكية.
.
كانت الولايات المتحدة فى فترة الخمسينيات تمثل حلما وبريقا لبعض القوى، خاصة الإسلامية منها، وكانت تعد نفسها لوراثة الاستعمار القديم المتمثل فى إنجلترا وفرنسا، وتعانى منافسة حادة من الاتحاد السوفييتى الذى أخذ يسيطر وينشر أفكاره فى منطقة الشرق الأوسط، ووسط حركات التحرر الوطنى بشكل عام، الأمر الذى استنفر الأمريكان، وأخذوا فى البحث عن قوى يمكن الاعتماد عليها فى كسر شوكة قوى التحرر من ناحية، والوقوف ضد تمدد نفوذ موسكو من ناحية أخرى، وسرعان ما وجدوا ضالتهم فى حركة الإخوان المسلمين.
كانت الجماعة ومعها عدد من المفكرين الإسلاميين، يعتبرون الاشتراكية كفرا ، ومَن ينادى بها كفارا يُستحل دمهم، الأمر الذى أدى إلى مواجهات متعددة بين أنظمة وقوى التحرر الوطنى الناشئة، سواء تلك الحاكمة كثوار يوليو، أو تلك التى تسعى إلى تحرير بلادها من ربقة المستعمر، كما كان من بلدان المشرق العربى.
.
كل هذه العوامل أدت إلى ازدياد موجات هجرة الإسلاميين إلى الغرب بشكل عام، والولايات المتحدة بشكل خاص، هربا من تلك المواجهة، وكانت الأغلب الأعم من تلك الهجرات منظما، بمعنى أن هناك جهات عديدة تابعة لتلك الحركات، وفى القلب منها حركة الإخوان المسلمين، كانت تشرف على هجرة هؤلاء الشباب، ثم تقوم بإعادة تجميعهم لتصفّهم فى صفوف منظمة تصب فى بوتقة واحدة، وهو ما حدث بالفعل فى يناير ١٩٦٣، عندما تكوّن «اتحاد الطلبة المسلمين فى الولايات المتحدة الأمريكية وكندا» وهو أول كيان يجمع الشباب المنتمين إلى حركة الإخوان فى أمريكا.
.
تلك الأسباب كانت مقدمة لانصياع كامل من الإخوان للأمريكان والاتحاد الأوروبى، وكانت من أبرز مؤشراته موقفها من الرسوم المسيئة، التى أوجعت أقباط مصر قبل مسلميها عدا جماعة الإخوان، التى لم تحرك لها ساكنا باستثناء بيان هزيل أصدرته الكتلة البرلمانية الإخوانية، وقامت الجماعة بتنفيذ وصية كوندوليزا رايس حول ما سمته الفوضى الخلاقة، الذى اتفق أغلب المحللين السياسيين على أنه مصطلح وُضع لوصف أى نوع من أنواع الفوضى التى تصب فى مصلحة الولايات المتحدة الأمريكية.
.
وفى مارس ٢٠٠٦ كان عدد من الباحثين بمؤسستى «كارنيجى أندومينت للسلام الدولى» و«هيربرت كواندت»، قد أكدوا فى دراسة مشتركة حملت عنوان المناطق الرمادية: الحركات الإسلامية والعملية الديمقراطية فى العالم العربى، أن سياسة المشاركة مع المنظمات الإسلامية خصوصا مع الأجنحة الإصلاحية فيها هى الخيار البنّاء الوحيد المتاح أمام المنظمات والحكومات التى تعتقد أن تنمية الديمقراطية فى الشرق الأوسط هى فى مصلحة الجميع.
بنى هؤلاء الباحثون استنتاجهم على فرضيتين أساسيتين، الأولى: تمثلت فى عدم وجود إمكانية لتشجيع أى عملية للتحول الديمقراطى أو على الأقل التحول الليبرالى، دون أن يحدث فى نفس الوقت نفوذ متزايد للحركات الإسلامية، وذلك فى معظم الدول العربية.
والثانية: أن المساعدات الديمقراطية سواء فى شكلها المحايد فيما يتعلق بتدريب جميع الأحزاب السياسية، أو حتى فى شكل التمويل المباشر للأحزاب العلمانية ومنظمات المجتمع المدنى، لن تؤدى إلى تغيير هذه الحقيقة، نظرا للضعف الشديد الذى تعانى منه تلك الأحزاب، بالإضافة إلى انعدام شعبيتها فى الشارع العربى.
الى اللقاء مع الجزء الثالث عشر
إضافة تعليق جديد